هاروت وماروت وفطرس الملك؟ أما علمت أن الجن الطيار مسكنهم الهواء؟ وبطن الأرض مسكن المتمردين؟ فاختصمت طائفة من الجن فصعد إليهم الولي الأمين فطهرهم. أقبل لا يعلم ولا يفهم ولاحظ له من السر إليهم، فهو كما قيل لداود: الخل لا يدري بطيب حلاوة العسل. (١) ويقول نزل من السماء وسيفه يقطر دما.
ولمن قيل في السماء، وكيف يقع القتل على الجن، وهم أجسام شفافة، ومن أين للشفاف دم. فقلت: يا قليل العبرة، وكثير العبرة، وقطير القطرة، ألم تمطر السماء دما ورماد القتل الحسين عليه السلام (٢)؟ ومن أين للسماء رماد ودم؟ بل هي آيات بينات. ألم يعلم أن عليا قتل الجن وأخذ عليهم العهد؟ (٣) فإذا لم يكن لهم دم ولا نفوس فكيف وقع عليهم القتل، وليس هذا مكان التأويل. وصدق هذا المدعى قوله سبحانه: ﴿لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين﴾ (4)، وكيف يحرق النار من ليس بجسم؟ وكيف يتألم بالعذاب من ليس له عروق ولا دم؟
وإذا كان الجن مخلوقين من النار ولا تؤثر النار فيهم فمن ترى يدخل النار عوضا عن إبليس وقد أضل الأولين والآخرين؟
أف لعقلك المستقيم ورأيك العديم، أما علمت أن عليا منبع الأنوار، وآية الجبار، وصاحب الأسرار، الذي شرح لابن عباس في ليلة حتى طفى مصباحها صباحها، في شرح الباء من بسم الله، ولم يتحول إلى السين، وقال: لو شئت لأوقرت أربعين بعيرا من شرح بسم الله الرحمن الرحيم (5). فإن كبر عليك إعراضهم، وزادت عند سماع أسرار أمراضهم، فأنشدهم ولا تنشدهم، أماذا عليهم لو أجابوا الداعي، لكنهم خلقوا بغير سماع.
ثم يتمم هذه الأسرار ما رواه صاحب المقامات، مرفوعا إلى ابن عباس قال: رأيت عليا يوما في سكك المدينة يسلك طريقا لم يكن له منفذ، فجئت فأعلمت رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: إن عليا علم الهدى والهدى طريقه، قال: فمضى على ذاك ثلاثة أيام، فلما كان في اليوم الرابع أمرنا أن نمضي في طلبه، قال ابن عباس: فذهبت إلى الدرب الذي رأيته فيه وإذا بياض درعه في ضوء الشمس، قال:
فأتيت فأعلمت رسول الله صلى الله عليه وآله بقدومه، فقام إليه فلاقاه واعتنقه وحمل عنه الدرع بيده وجعل