مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ١٧٦
ويوجب له بذلك الطاعة والأمر على جميع خلقه، فهو وليه في سماواته وأرضه، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده، فمن تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه فهو يفعل ما يشاء، وإذا شاء الله شيئا يكتب على عضده، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا، فهو الصدق والعدل، ينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد، ويلبس الهيبة وعلم الضمير، ويطلع على الغيب ويعطي التصرف على الإطلاق، ويرى ما بين الشرق والغرب فلا يخفى عليه شئ من عالم الملك والملكوت، ويعطى منطق الطير عند ولايته. فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه لغيبه، يؤيده بكلمته، ويلقنه حكمته، ويجعل قلبه مكان مشيئته، وينادى له بالسلطنة ويذعن له بالإمرة، ويحكم له بالطاعة، وذلك لأن الإمامة ميراث الأنبياء، ومنزلة الأصفياء، وخلافة الله وخلافة رسل الله، فهي عصمة وولاية، وسلطنة وهداية، لأنها تمام الدين، ورجح الموازين، الإمام دليل للقاصدين، ومنار للمهتدين، وسبيل للسالكين، وشمس مشرقة في قلوب العارفين. ولايته سبب النجاة، وطاعته معرفة (١) للحياة، وعدة بعد الممات، وعز المؤمنين وشفاعة المذنبين، ونجاة المحبين وفوز التابعين، لأنها رأس الإسلام وكمال الإيمان، ومعرفة الحدود والأحكام، تبين الحلال من الحرام، فهي رتبة لا ينالها إلا من اختاره الله وقدمه، وولاه وحكمه.
فالولاية هي حفظ الثغور، وتدبير الأمور، وهي بعدد الأيام والشهور، الإمام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى، المطهر من الذنوب، المطلع على الغيوب، فالإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار، فلا تناله الأيدي والأبصار. (وإليه الإشارة بقوله: ﴿ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين﴾ (2) والمؤمنون علي وعترته فالعزة للنبي وللعترة، والنبي والعترة لا يفترقان إلى آخر الدهر) فهم رأس دائرة الإيمان وقطب الوجود، وسماء الجود، وشرف الموجود، وضوء شمس الشرف ونور قمره، وأصل العز والمجد ومبدؤه ومعناه ومبناه، فالإمام هو السراج الوهاج، والسبيل والمنهاج، والماء الثجاج، والبحر العجاج، والبدر المشرق والغدير المغدق، والمنهج الواضح المسالك، والدليل إذا عمت المهالك، والسحاب الهاطل، والغيث الهامل، والبدر الكامل، والدليل الفاضل، والسماء الظليلة، والنعمة الجليلة، والبحر الذي لا ينزف، والشرف الذي لا يوصف، والعين الغزيرة، والروضة المطيرة، والزهر الأريج، والبدر البهيج، والنير

(١) في النسخة المخطوطة مفترضة.
(٢) المنافقون: ٨.
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»