ألا وإن ربي أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا (لا إله إلا الله) فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله جل وعز.
ألا وإن الله - جل اسمه - لم يدع شيئا مما يحبه إلا وقد بينه لعباده، ولم يدع شيئا يكرهه إلا وقد بينه لعباده ونهاهم عنه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة.
ألا وإن الله عز وجل لا يظلم بظلم، ولا يجاوزه ظلم، وهو بالمرصاد ﴿ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى﴾ (1) من أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها (2).
يا أيها الناس، إنه قد كبرت سني، ودق عظمي، وانهدم جسمي، ونعيت إلي نفسي (3)، ولا أظن إلا أن هذا آخر العهد مني ومنكم، فما دمت حيا فقد تروني، فإذا مت فالله خليفتي على كل مؤمن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فابتدر إليه رهط من الأنصار قبل أن ينزل من المنبر، وكلهم قال: يا رسول الله، جعلنا الله فداك، بأبي أنت وأمي ونفسي لك الفداء يا رسول الله، من يقوم لهذه الشدائد؟ وكيف بالعيش بعد هذا اليوم؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأنتم فداكم أبي وأمي، إني قد نازلت ربي في أمتي، فقال لي: إن باب التوبة مفتوح حتى ينفخ في الصور.
ثم أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إنه من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه، ثم قال: وسنة كثيرة، من تاب قبل الموت بشهر تاب الله عليه، ثم قال:
وشهر كثير، من تاب قبل موته بجمعة [تاب الله عليه] (4) ثم قال: وجمعة كثير، (ثم قال: من تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه، ثم قال: ويوم كثير،) (5) من تاب قبل أن يموت بساعة تاب الله عليه، ثم قال: وإن ساعة كثيرة، ثم قال: من تاب وقد بلغت نفسه هذه - وأومأ بيده إلى حلقه - تاب الله عز وجل عليه.