استواء، فمن عرفها لم يفرح لرجاء، ولم يحزن لشقاء، ألا وإن الله خلق الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي، وإنها لسريعة الذهاب، ووشيكة الانقلاب، فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها، واهجروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها، ولا تسعوا في عمرانها وقد (1) قضى الله خرابها، ولا تواصلوها وقد أراد الله منكم اجتنابها، فتكونوا لسخطه متعرضين، ولعقوبته مستحقين " (2).
الحديث السادس والثلاثون: عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [يقول] (3): " أيها الناس، اتقوا الله حق تقاته، واسعوا في مرضاته، وأيقنوا من الدنيا بالفناء، ومن الآخرة بالبقاء، واعملوا لما بعد الموت، فكأنكم بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل.
أيها الناس، إن من في الدنيا ضيف، وما في أيديهم عارية، وإن الضيف مرتحل، والعارية مردودة، ألا وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك عادل قادر، فرحم الله امرءا نظر لنفسه، ومهد لرمسه، ما دام رسنه (4) مرخيا، وحبله على غاربه ملقيا، قبل أن ينفد أجله، وينقطع عمله " (5).
السابع والثلاثون: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل - وهو يوصيه -: " أقلل من الشهوات، يسهل عليك الفقر، وأقلل من الذنوب، يسهل عليك الموت، وقدم مالك أمامك، يسرك اللحاق به، واقنع بما أتيته، يخف عليك الحساب، ولا تتشاغل عما فرض عليك، بما قد ضمن لك، فإنه ليس بفائتك ما قد قسم لك، ولست بلا حق ما قد زوي عنك.، فلا تك جاهدا فيما يصح (6) نافدا، واسع لملك لا زوال له، في منزل لا انتقال عنه " (7).