فقال له: " أفبعد الموت عمل؟ " فقال: لا فقال: " فعظ نفسك، ودع الناس يطوفوا بهذا البيت الذي قد جاؤوا إليه من كل فج عميق ".
وقال رجل لعبد الملك بن مروان: أناظرك وأنا آمن؟ قال: نعم، فقال له: أخبرني عن هذا الأمر الذي صار إليك، أبنص من الله ورسوله؟ قال: لا.
قال: فاجتمعت الأمة فتراضوا بك؟ فقال: لا قال: فكانت لك بيعة في أعناقهم فوفوا بها؟ قال: لا قال: فاختارك أهل الشورى؟ قال: لا قال: أفليس قد قهرتهم على أمرهم، واستأثرت بفيئهم دونهم؟ قال: بلى قال: فبأي شئ سميت أمير المؤمنين، ولم يؤمرك الله ولا رسوله ولا المسلمون؟
قال له: اخرج عن بلادي وإلا قتلتك.
قال: ليس هذا جواب أهل العدل والإنصاف، ثم خرج.
وروي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله بخراسان: أن أوفد إلي من علماء بلادك مائة، رجل، أسألهم عن سيرتك، فجمعهم وقال لهم ذلك، فاعتذروا وقالوا: إن لنا عيالا وأشغالا لا يمكننا مفارقتها (1)، وعدله لا يقتضي إجبارنا، ولكن قد أجمعنا على رجل منا، يكون عوضنا عنده، ولساننا لديه، فقوله قولنا، ورأيه رأينا، فأوفد به العامل إليه.
فلما دخل عليه سلم وجلس، فقال له: أخل لي المجلس، فقال له: ولم ذلك؟
وأنت لا تخلو أن تقول حقا فيصدقوك، أو تقول باطلا فيردوك، فقال له: ليس من أجلي أريد خلو المجلس ولكن من أجلك، فإني أخاف أن يدور بيننا كلام تكره سماعه.
فأمر بإخراج أهل المجلس ثم قال له: قل، فقاله: أخبرني عن هذا الأمر من أين صار إليك؟ فسكت طويلا فقال له: ألا تقول؟ فقال: لا، فقال: ولم؟ فقال له: إن قلت: بنص من الله ورسوله كان كذبا، وإن قلت: بإجماع من المسلمين قلت: فنحن أهل بلاد المشرق، ولم نعلم بذلك ولم نجمع عليه، وإن قلت: بالميراث من آبائي،