أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ١٨٩
باب وصية النبي صلى الله عليه لأبي ذر (1) قال أبو الأسود الدؤلي: حدثني أبو ذر قال: دخلت ذات يوم على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده، فلم أر في المسجد أحدا من الناس إلا رسول الله وعلي صلى الله عليه جالس إلى جانبه، فاغتنمت خلوة المسجد فقلت: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - أوصني بوصية ينفعني الله بها، فقال: " نعم، وأكرم بك.
يا أبا ذر، اعبد الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه عز وجل يراك.
واعلم أن أول عبادة الله المعرفة به أنه الأول قبل كل شئ فلا شئ قبله، والفرد فلا ثاني معه، والباقي لا إلى غاية، فاطر السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من شئ، وهو اللطيف الخبير، وهو على كل شئ قدير.
ثم الإيمان بي، والإقرار بأن الله عز وجل أرسلني إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ثم حب أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
واعلم - يا أبا ذر - أن الله جعل أهل بيتي كسفينة النجاة في قوم نوح، من ركبها نجا ومن رغب عنها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله كان آمنا.
يا أبا ذر، إحفظ عني ما أوصيك به، تكن سعيدا في الدنيا والآخرة.
يا أبا ذر، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ.
يا أبا ذر، اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل مماتك.
يا أبا ذر، إياك والتسويف بأملك، فإنك بيومك ولست بما بعده، فإن يك غدا لك تكون في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يك غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم.
يا أبا ذر، كم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومنتظر غدا لا يبلغه.
يا أبا ذر، لو نظرت إلى الأجل ومسيره، لأبغضت الأمل وغروره.

1 - وردت الوصية في أمالي الطوسي: 2: 138، ومكارم الأخلاق: 458، وتنبيه الخواطر 2: 51، باختلاف يسير.
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»