روي عن امرأة من العرب أنها قالت لبنتها وقد زوجتها وأرادت حملها إلى زوجها: يا بنية، إن الوصية لو تركت لأدب ومكرمة في حسب لتركت ذلك منك، ولكنها تذكرة للعاقل.
يا بنية، إنه لو استغنت امرأة عن زوج لكنت أغنى الناس عنه، لكن للرجال خلقن، كما خلق الرجال لهن.
يا بنية، إنك قد فارقت الوكر الذي منه خرجت، وتركت الوطن الذي فيه درجت، وصرت إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، أصبح بملكه إياك عليك مليكا، فكوني له أمة يكن لك عبدا واحفظي عني خصالا عشرا تكن لك ذكرا وذخرا:
أما الأولى والثانية: فالصحبة له بالقناعة، والمعاشرة له بحسن السمع والطاعة، فإن القناعة راحة للقلب والسمع، والطاعة رضى الرب.
وأما الثالثة والرابعة: فالتعهد لموضع عينيه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك إلا طيب ريح، فإن الكحل أحسن الحسن الموجود، وأن الماء الطيب المفقود.
وأما الخامسة والسادسة: فالتعهد لوقت طعامه، والهدو حين منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وأن تنغيص النوم يغضبه.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على حشمه وعياله، فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، والإرعاء على الحشم والعيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سرا، ولا تعصي له أمرا، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني عذره (1)، وإن عصيت أمره أو غرت صدره.
ثم اتق مع ذلك الفرح لديه، إذا كان ترحا، والاكتئاب عنده إذا كان فرحا، فإن الخلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير. وأشد ما تكونين له إعظاما، أشد ما يكون لك إكراما، وأشد ما تكونين له موافقة، أطول ما يكون لك مرافقة.
واعلمي يا بنية إنك لن تصلي إلى ذلك، حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك - فيما أحببت وكرهت - وعلى أن تؤثري الضنك على الدعة، والضيق على السعة، والله معك يختر لك.