كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٩٣
ورابعها: أن المجوس قالوا: إن القادر على الخير لا يقدر على الشر وبالعكس، والمجبرة قالوا: إن القدرة موجبة للفعل غير متقدمة عليه، فالإنسان القادر على الخير لا يقدر على ضده وبالعكس.
المسألة التاسعة: في الهدى والضلالة قال: والإضلال الإشارة إلى خلاف الحق وفعل الضلالة والإهلاك، والهدى مقابل، والأولان منفيان عنه تعالى.
أقول: يطلق الإضلال على الإشارة (1) إلى خلاف الحق وإلباس الحق

(١) حاصل ما أفاده أن لكل من الضلالة والهداية معاني ثلاثة متقابلة، وتصح نسبة الهداية بمعانيها الثلاثة إلى الله سبحانه، دون الضلالة بل تصح نسبة المعنى الثالث منها إليه تعالى. نعم: إيجاد الهداية في العباد، مختص بغير ما كلفوا به كالإيمان فإنه فعل العبد، بقرينة التكليف به خلافا للأشاعرة حيث ذهبوا إلى أنه يوجد الإيمان والكفر في العباد.
والذي ينبغي التنبيه عليه: أن إيجاد الهداية في العباد يرجع إلى إيجاد مقدماتها من الداخل كالعقل والفطرة، والخارج كالرسل والكتب.
ثم إن حل عقد الجبر يحصل بالوقوف على أن لله هدايتين: عامة لجميع الناس، وخاصة لبعضهم، ومصحح العقوبة والمثوبة هو الأولى منهما، فمن تمت الحجة في حقه تصح عقوبته، وإلا فلا، وأما الهداية الثانية فهي مختصة بالمستفيدين من الهداية الأولى، وما في قوله سبحانه: (فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) (إبراهيم: ٤) الذي وقع ذريعة للمجبرة ليس يهدف إلى الهداية والضلالة العامتين، كما لا يهدف إلى وجود الفوضى في أمر الهداية والضلالة لأنه يخالف كونه حكيما، ولأجل نقد تلك الفكرة وصف سبحانه نفسه في آخر الآية بقوله:
(العزيز الحكيم)، بل هو وأمثاله ناظر إلى أن من لم يهتد بالهداية العامة يضله ولا يوفقه بالاهتداء إلى الدرجات العليا، وأما من اهتدى بالهداية العامة فيوفقه بتحصيل أعلى درجاتها، وإلى ذلك يشير الكتاب العزيز ويقول: (الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) (الشورى: ١٣) ويقول: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (محمد: ١٧) ويقول تعالى: (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) (الكهف: ١٣). (١) ومما يدل على أن الضلالة والهداية بمعنى المثوبة والإهلاك قوله سبحانه: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم) * (محمد: 1).
* (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم * سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عرفها لهم) * (محمد: 4 - 6).
- 1 - وإن أردت التفصيل فلاحظ الإلهيات: 2 / 387 - 394.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»