كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٩٠
بالكفر وغيره من القبائح، ولا ينفعهم الاعتذار (1) بوجوب الرضا به من حيث
(1) جواب عن اعتذار الخصم الذي يفسر القضاء بالخلق والإيجاد، بأنه يمكن الجمع بين الأمرين، بان الرضا بالكفر له وجهين: فمن حيث إنه فعل الله نرضى به ومن حيث إن العبد يكسبه فلا نرضى به، فأجاب بما في الشرح، وحاصله: أن الكسب إذا كان بقضائه عاد المحذور وهو الرضا بالكفر، وإن لم يكن بقضائه انخرقت قاعدة أخرى وهي استناد كل ما في الكون إلى قضائه.
ثم إنه ربما يتوهم الجبر حتى على التفسير الثالث ويتصور أن علمه السابق موجب للإلجاء. ولكنه مردود بأن علمه سبحانه لم يتعلق بصدور أي أثر من مؤثره على أي وجه اتفق، وإنما تعلق علمه بصدور الآثار عن العلل مع الخصوصية الكامنة في نفس تلك العلل. فإن كانت العلة علة طبيعية فاقدة للشعور والاختيار أو واجدة للعلم فاقدة للاختيار، فتعلق علمه سبحانه بصدور فعلها وأثرها عنها بهذه الخصوصية، أي أن تصدر الحرارة من النار من دون أن تشعر فضلا عن أن تريد، ويصدر الارتعاش من الإنسان المرتعش عن علم ولكن لا عن إرادة واختيار.، فالقول بصدور هذه الظواهر عن عللها بهذه الخصوصية يستلزم انطباق علمه على الواقع وعدم تخلفه عنه قيد شعرة.
وإن كانت العلة عالمة وشاعرة ومريدة ومختارة كالإنسان فقد تعلق علمه بصدور أفعالها منها بتلك الخصوصيات وانصباغ فعلها بصبغة الاختيار والحرية، فلو صدر فعل الإنسان منه بهذه الكيفية، لكان علمه مطابقا للواقع غير متخلف عنه، وأما لو صدر فعله عنه في هذا المجال عن جبر واضطرار بلا علم وشعور، أو بلا اختيار وإرادة فعند ذلك يتخلف علمه عن الواقع.
فنقول توضيحا لذلك: إن الأعمال الصادرة من الإنسان على قسمين: قسم يصدر منه بلا شعور ولا إرادة كأعمال الجهاز الدموي والجهاز المعوي وجهاز القلب، التي تتسم في أفعال الإنسان بسمة الأعمال الاضطرارية غير الاختيارية.
وقسم آخر يصدر منه عن إرادة واختيار، ويتسم بسمة الأعمال الاختيارية غير الاضطرارية كدراسته وكتابته وتجارته وزراعته.
وعلى ما سبق من أن علم الله تعالى تعبير عن الواقع بما لا يتخلف عنه قيد شعرة، فتقع أعماله موردا لتعلق علم الله بها على ما هي عليه من الخصائص والألوان، فتكون النتيجة أنه سبحانه يعلم من الأزل بصدور فعل معين في لحظة معينة من إنسان معين إما بالاضطرار والإكراه، أو بالاختيار والحرية، وتعلق مثل هذا العلم لا ينتج الجبر، بل يلازم الاختيار، ولو صدر كل قسم على خلاف ما اتسم به، لكان ذلك تخلفا عن الواقع.