كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٨٣
المسألة السابعة: في المتولد قال: وحسن المدح والذم على المتولد يقتضي العلم بإضافته إلينا.
أقول: الأفعال تنقسم إلى المباشر والمتولد والمخترع:
فالأول: هو الحادث ابتداء بالقدرة في محلها (1).

(1) قد قسم الحكماء الأفعال إلى مبتدع ومخترع وكائن، وإلى تام وناقص، والناقص إلى مكتف وغيره، وإلى زماني ودهري وسرمدي و... ().
وقسمها المتكلمون إلى المباشر، والمتولد، والمخترع:
1 - عرفوا المباشر بالحادث ابتداء بالقدرة في محلها. وهو يختص بغير الواجب لأنه تعالى لا يفعل فعلا في ذاته.
2 - عرفوا المتولد بالحادث الذي يحدث بحسب فعل آخر كالحركة الصادرة عن الاعتماد، فالميل الحادث في الحجر فعل مباشر، والحركة إلى السفل فعل متولد. وكالقوة الحادثة في العضلة المتولدة منها حركة العضو، فالأولى فعل مباشر والثانية فعل متولد، سواء كان الثاني حادثا في محل القدرة، كما في هذين المثالين أو في غير محلها كالحركة الحادثة في المفتاح بسبب حركة اليد، وكتحريك الشجرة، المتولد منها انفصال الثمرة من الغصن، وبالرمي بالسهم لقتل الإنسان، ثم المتولد قد يكون بلا واسطة كما في الحادث في محل القدرة، وأخرى بواسطة واحدة أو بأكثر، كما في الحادث بغير محلها.
وأما المراد من " الاعتماد " في قوله: " الحركة الصادرة عن الاعتماد " هو الميل الذي يحدث في الحجر وتحدث بسببه الحركة وهو اصطلاح لهم.
- 1 - لاحظ شرح المنظومة، قسم الإلهيات، الفريدة الثالثة: ص 182، وأسرار الحكم: ص 143، وما ذكر في المتن تقسيم للفعل في منهج المشائين، وأما الإشراقيون فلهم تقسيمات أخر حسب أذواقهم، لاحظ أسرار الحكم ص 147، والغرض الإشارة العابرة إلى أن لكل فرقة تقسيما للفعل والمقصود شرح ما جاء في المتن.
قال قطب الدين النيسابوري المقري: " الاعتماد معنى إذا وجد أوجب كون محله في حكم المدافع لما يماسه مماسة مخصوصة - إلى أن قال -: إن أحدنا إذا وضع حجرا على يده، وجد اعتماد الحجر حتى كأنه في يده فهذا طريق إلى إثبات الاعتماد " (1).
ونذكر نكتتين:
الأولى: أن تعريف الفعل المباشر (الحادث ابتداء بالقدرة في محلها) لا ينطبق على الميل الموجود في الأجسام، فإنه أمر طبيعي لها لا فعل لها - على عقيدة القدماء حيث قالوا: إن في كل جسم ميلا طبيعيا إلى مركزه (الأرض) - أو معلول جاذبية الأرض على المقرر في العلم الحديث، مع أن الظاهر منهم أنه فعل، حيث قال: " هو الحادث الذي يقع بحسب فعل آخر كالحركة الصادرة عن الاعتماد "، حيث سمى الاعتماد فعلا، نعم هو فعل الله بمعنى أنه أوجد الميل في الأجسام، ولكن لا يعد فعلا للبشر إلا أن يكون المراد أنه فعل الله ومقدوره.
الثانية: أن حركة الأعضاء على هذا فعل متولد مع أنه من الأفعال المباشرية عند الحكماء والأصوليين، وما هذا لأن الاعتماد والميل ليس عندهم فعلا.
3 - عرفوا المخترع بما يفعل لا لمحل. ومثاله الأجسام وبل خلق السماوات والأرض.
وينقض الحصر بالأعراض، فإنها ليست من الأقسام الثلاثة، إلا أن يدرج في المتولد، لأنه الحادث بعد فعل وهو خلق الأجسام، وعلى كل تقدير التقسيم مبني على حصر الأفعال بالمادة والماديات، مع أنه أعم منها ومن المجردات التي غفل عنه المتكلمون غير الواعين منهم.
ثم إن الفعل المباشر وقع مثارا للبحث وأنه فعل اختياري أو لا، ويتلوه في هذا النزاع: المتولد، فاختاره الماتن أنه منسوب إلى الإنسان، فهو أيضا فعل اختياري، فعلم أن - 1 - الحدود: المعجم الموضوعي للمصطلحات الكلامية: 36، ولاحظ شرح المقاصد: 2 / 244.
طرح هذا التقسيم في المقام لأجل تبيين حكمه من حيث الجبر والاختيار وقد ذكر الشارح في المتولد أقوالا:
1 - خيرة جمهور المعتزلة وهو مختار الماتن.
2 - ما اختاره معمر بن عباد السلمي المتوفى عام 215 ه‍ خريج مدرسة الاعتزال في البصرة، وقد نقل الشهرستاني منه ما يلي: " إن الله تعالى لم يخلق شيئا غير الأجسام فأما الأعراض فإنها من اختراعات الأجسام إما طبعا كالنار التي تحدث الإحراق، وإما اختيارا كالحيوان الذي يحدث الحركة والسكون والاجتماع والافتراق " (1). وهو قريب مما ذكره الشارح.
3 - ما قالته عدة من المعتزلة وهو: لا فعل للعبد إلا الفكر، ويفارق القول الثاني بأن الفكر أعم من الإرادة، وطبع الحال يقتضي أنه يسند الباقي إلى المحل طبعا أو اختيارا.
4 - ما ذهب إليه أبو إسحاق النظام (وهو إبراهيم بن سيار المعتزلي) (160 - 232 ه‍) وهو جعل فعل الإنسان نفس الحركات الحادثة فيه حسب دواعيه، والإرادة والاعتقادات حركات القلب (أي مظاهر لحركته) والأفعال المنفصلة كالكتابة فعل الله عن طريق طبع المحل. وعقيدته في الروح ما هو ذكره الشهرستاني عنه: أن الروح جسم لطيف مشابك للبدن مداخل للقلب بأجزائه مداخلة المائية في الورد، والدهنية في السمسم (2) وبذلك يظهر معنى قوله " منساب " فإنه من ساب الماء: أي جرى وفي بعض النسخ " سار " فالروح سار في القلب سريان الماء في الورد.
5 - قول ثمامة بن الأشرس المعتزلي المتوفى عام 234 خريج مدرسة الاعتزال في بغداد، وكلامه في المقام عجيب منه، كيف يدعي إنسان إلهي، وجود الفعل بلا فاعل.
- 1 - الشهرستاني: الملل والنحل: 1 / 66 ط دار المعرفة بيروت. إقرأ آراءه فيها.
2 - الشهرستاني: الملل والنحل: 1 / 55 ط دار المعرفة بيروت. إقرأ آراءه فيها يزيدك إيضاحا لعبارات الكتاب.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»