يوافق العقول أو بما يخالفها، فإن جاء بما يوافق العقول لم يكن إليه حاجة ولا فائدة فيه، وإن جاء بما يخالف العقول وجب رد قوله.
وهذه الشبهة باطلة بما تقدم في أول الفوائد، وذلك أن نقول: لم لا يجوز أن يأتوا بما يوافق العقول وتكون الفائدة فيه التأكيد لدليل العقل؟ أو نقول: لم لا يجوز أن يأتوا بما لا تقتضيه العقول ولا تهتدي إليه وإن لم يكن مخالفا للعقول بمعنى أنهم لا يأتون بما يقتضي العقل نقيضه، مثل كثير من الشرائع والعبادات التي لا يهتدي العقل إلى تفصيلها.
المسألة الثانية: في وجوب البعثة قال: وهي واجبة لاشتمالها على اللطف في التكاليف العقلية.
أقول: اختلف الناس هنا، فقالت المعتزلة: إن البعثة واجبة.
وقالت الأشعرية: إنها غير واجبة.
احتجت المعتزلة: بأن التكاليف السمعية ألطاف في التكاليف العقلية، واللطف واجب فالتكليف السمعي واجب ولا تمكن معرفته إلا من جهة النبي فيكون وجود النبي واجبا لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
واستدلوا على كون التكليف السمعي لطفا في العقلي بأن الإنسان إذا كان مواظبا على فعل الواجبات السمعية وترك المناهي الشرعية كان من فعل الواجبات العقلية والانتهاء عن المناهي العقلية أقرب، وهذا معلوم بالضرورة لكل عاقل، وقد بينا فيما تقدم أن اللطف واجب.