كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ١٦
انتفى إمكان الترك انتفى إمكان الفعل.
وتقرير الجواب: أن القادر هو الذي يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل وليس لا يفعل عبارة عن فعل الضد.
قال: وعمومية العلة تستلزم عمومية الصفة (1).
أقول: يريد بيان أنه تعالى قادر على كل مقدور، وهو مذهب الأشاعرة، وخالف أكثر الناس في ذلك، فإن الفلاسفة قالوا إنه تعالى قادر على شئ واحد، لأن الواحد لا يتعدد أثره، وقد تقدم بطلان مقالتهم.
والمجوس ذهبوا إلى أن الخير من الله تعالى، والشر من الشيطان، لأن الله تعالى خير محض وفاعل الشر شرير.
والثنوية ذهبوا إلى أن الخير من النور، والشر من الظلمة.

(1) هذه المسألة من فروع عموم خالقيته لكل شئ، كما هو مقتضى التوحيد في الخالقية الذي آمنت به الأشاعرة والإمامية، فلو كان خالقا لكل شئ لكان قادرا عليه وقابلا لأن تتعلق به قدرته، من غير فرق بين الخير والشر وأفعال العباد وغيرها، غير أن الإمامية تفترق عن الأشاعرة في تفسير التوحيد في الخالقية، حيث تفسره على وجه لا ينافي عدله سبحانه، بخلاف الأشاعرة فهؤلاء يفسرونه بشكل ينطبق على الجبر، فالمطلوب للأشاعرة هو حفظ التوحيد في الخالقية، سواء أضر بعدله أم لا، بخلاف الإمامية فالمطلوب عندهم هو حفظ كلا الأصلين.
وأما غير هاتين الطائفتين فينكرون عموم قدرته لجهات مختلفة، وهؤلاء طوائف أربع: 1 - الفلاسفة.
2 - المجوس. 3 - الثنوية. 4 - المعتزلة. والدواعي لنفي عموم القدرة مختلفة، وإليك البيان:
1 - لما ذهبت الفلاسفة إلى أن الواحد (الواجب) لا يصدر عنه إلا الواحد، قالوا بأنه قادر على الشئ الواحد فقط، وهو الصادر الأول، فنفوا عموم قدرته حسب نقل الشارح، ولكن النسبة غير صحيحة، لأن القول به لا يستلزم تلك النتيجة كما لا يخفى على من له إلمام بمفاد القاعدة، ولأجل ذلك قال الماتن في السابق: " ومع وحدته يتحد المعلول " (1)، ومع ذلك قال في المقام بعمومية القدرة، وهو يعرب عن إمكان الجمع بين القاعدتين.
2 - لما ذهبت المجوس والثنوية إلى أنه سبحانه خير محض، فقالوا بعدم تعلق قدرته بالشرور، فهي عند المجوس مستند إلى المبدأ الحادث، أعني: الشيطان، وعند الثنوية مستند إلى مبدأ قديم كالظلمة، وبذلك افترقت المجوس عن الثنوية، حيث إن مبدأ الشر عند المجوس حادث وعند الثنوية قديم، والظاهر من المحقق الطوسي في نقد المحصل أن عقيدة المجوس والثنوية واحد، وهو أن الخير من " يزدان " والشر من " اهرمن " ويريدون من الأول: الملك، ومن الثاني:
الشيطان (2).
يقول الحكيم السبزواري:
والشر أعدام فكم قد ضل من يقول باليزدان ثم الأهرمن وأما ما نسبه إلى الثنوية فهو عقيدة المانوية، وعلى هذا فالثنوية مصحف " المانوية ".
3 - لما قالت المعتزلة بخروج أفعال العباد عن كونه مخلوقا لله سبحانه، حفظا لعدله، ظهر بينهم قول النظام (ت 231 ه‍) والكعبي (ت 317 ه‍) والجبائيين (أبي علي ت 302 ه‍ وأبي هاشم ت 321 ه‍)، والأقوال مذكورة في الشرح مع أجوبتها.
- 1 - كشف المراد: 116، المقصد الأول، الفصل الثالث، المسألة الثالثة.
2 - لاحظ نقد المحصل: 190.
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»