كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الزنجاني) - العلامة الحلي - الصفحة ١٥٧
أبي البركات ومذهب المتكلمين قريب منه والدليل على ما اختاره المصنف أن المعقول من المكان إنما هو البعد فإنا إذا فرضنا الكوز خاليا من الماء تصورنا الأبعاد التي يحيط بها جرم الكوز بحيث إذا ملئ ماء شغلها الماء بجملتها والأمارات المشهورة في المكان من قولهم إنه ما يتمكن المتمكن فيه ويستقر عليه ويساويه (1) وما يوصف بالخلو والامتلاء يساعد على أن المكان هو البعد.
قال: واعلم (2) أن البعد منه ملاق للمادة وهو الحال في الجسم ويمانع

(1) اختلف الحكماء في أن المكان ما هو: فذهب أفلاطون إلى أن المكان البعيد المساوي لبعد المتمكن بحيث يساوي هذا البعد الكمية السارية في الجسم المتمكن وأنه أمر موجود وذهب أرسطاليس والمشاؤون وأبو نصر الفارابي والشيخ ابن سينا إلى القول بأن الجسم هو السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوى كالسطح الباطن من الكوز المماس لأطراف الماء ويدل على القول الأول ما في السنة الناس من أن الماء في الكوز وأن الطائر في الهواء، فإذا سئلوا عن تفسير قولهم هذا يفسرونه بفطرتهم وبداهة عقولهم بأن الماء فيما بين أطراف الكوز ولا ريب أنهم يريدون بأطراف الكوز أطرافه الداخلة هو البعد الممتد إلى السطح الباطن وأيضا يقولون إن المكان خلا من المتمكن وإن المكان امتلئ من المتمكن.
(2) حاصله: أن البعد الذي هو الكمية السارية في الجسم التي يعبر عنها بالجسم التعليمي الحال في الجسم الطبيعي ملاق ومقارن للمادة وأما البعد الذي هو المكان هو جوهر مجرد مفارق عن المادة يحل فيه الجسم ويتخذ في الوضع والإشارة مع البعد العرضي الحال في الجسم وهذا الجوهر شئ متوسط بين المجرد المحض والمادي المحض لأن له بعض خواص المادة وهو الوضع والإشارة، بيان الأشكال وهو أن المكان بعد كما هو المفروض والجسم الحال في المكان أيضا له بعد قطعا فحين حلول الجسم في المكان إن بقي البعد إن لزم اجتماع المثلين وأن عدم البعد الحال لزم كون الجسم بلا بعد وهو محال وإن عدم بعد المكان لزم انعدام المكان والجواب أن البعد قسمان منه ملاق للمادة وهو البعد الحال في الجسم ويمانع هذا القسم من البعد مساويه إذ يستحيل تداخل الجسمين فلا يمكن اجتماع البعدين المقارنين للمادة ومنه مفارق عن المادة وهذا البعد هو الذي يحل فيه الأجسام وتلاقيها بجملتها بحيث ينطبق على بعد الممكن وتتحد به ولا امتناع لخلوه عن المادة.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»