بالرجوع إلى الكمال، ويعلمهم كتاب الله الذي هو الحقائق الموجودة، وهي التصنيف الذي كتبه بيده المقدسة، حيث أوجد تلك الحقائق بيده التي هي تلك النفوس الشريفة، وتريهم حقائق تلك الأشياء بالإلهامات الربانية، وتدعوهم إلى عالم الغيب والشهادة.
وأما قوله: " ومنها بدت الموجودات " فعلى الناقص لا المهموز بمعنى ظهرت، وفي التعبير عن صدور النفس عن العقل بالمهموز أي الابتداء، وعن صدور الموجودات عن النفس بالناقص أي الظهور، سر لطيف أظنه لا يعرفه كل عريف، وهو أن صدور النفس عن العقل ليس بأن تكون هي مندمجة فيه ثم ظهرت منه، بل هي هو شائيا بمشية الله كونه مصدرا لجميع ما تحته، فظهور النفس من العقل، بل ظهور الكل منه ابتدائي لا يسبقه أثر من النفس، إذ العقل كما حققنا هو النفس الباطنة والنفس هي العقل الظاهر، لا أنهما موجودان متباينان اتصف أحدهما بالظهور والآخر بالبطون، بل النفس هي العقل الظاهر بصورة الشوق والبارز بصفة المشية والنور لإظهار الجواهر العقلية المودعة فيه.
وأما الموجودات الصادرة من النفس وهي أنوار عقلية وجواهر روحانية مندمجة في العقل، فالنفس موجودة بالوجود العقلي المتأحد بالعقل، كما أومأنا إليه آنفا، فصدورها عن النفس ليس ابتدائيا، بل ظهور بعد بطون وبروز غب كمون، حيث ابتدأت من البارئ الأول في العقل ثم ظهرت في النفس العقلية، فقاطبة الحقائق بالنظر إلى البارئ القيوم ابتدائية، وبقياس بعضها إلى قوله: بالنظر إلى البارئ القيوم ابتدائي... إلى آخره.
ما حقق ذلك العارف الكامل رضي الله عنه حق محقق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كيف؟! وهو جل برهانه قائم على كل النفوس بما كسبت وليس