الجليل والشيخ الذي لم يكن له بديل، وإن كان عوالم المجردات المقدسة عن كدورة المادة والمطهرة عن أرجاس عالم الهيولى المظلمة، مندكة ماهياتها في إنياتها، وفانية نفسيتها في نور ربها، بل بنظر أرباب المشاهدات لا ماهية لها، إلا أنه ليس الذات والذاتي لها، بل بقهر نور الأنوار عليها وغلبة حضرة ذي الجلال على ذاتها وحيثياتها، ولهذا يقال لعالمهم: " عالم الجبروت " لجبر نقيصتها بتمامية الرب المتعال، ورفض غبار إمكانها بوجوب وجود ذي المجد والجلال.
وهاهنا احتمال آخر قريب المأخذ مما ذكرنا: وهو أن الحقائق الغيبية في الحضرة الجمع والواحدية والأعيان الثابتة صور الأسماء الإلهية لما رأين كونها تحت أستار الأسماء محجوبة عن مشاهدة بعضها بعضا، اجتمعن في الحضرة الأسماء الإلهية، وتوسلن بها توسل الفقير المسكين، وقلن: إن العدم قد حجبنا عن رؤية بعضنا بعضا، بل عن رؤية ذاتنا، فأفيضوا علينا فيض الوجود وأظهرونا في دار الشهود، فلما رأت الأسماء حقيقة سؤالها اجتمعت في الحضرة الاسم الأعظم، واستشفعت عنها في الحضرة الغيبية، فقبل استشفاعها، وتمسك بالهوية الغيبية والحضرة الأحدية، وقال:
يا هو يا من هو يا من ليس إلا هو، وتقدم في حضرته عرض مسؤولاتها فصدر الأمر من حضرته بأن أجبت مسؤولاتها وأذنت لك أن تظهر حقائقها من حضرة الغيب إلى الشهادة، فتجلى الله بالرحمة الرحمانية - التي هي بسط أصل حقيقة الوجود - فأظهر الحقائق بذاك التجلي في لباس الخلائق.
وحيث كان من مودعات حضرة الجمع ميل الوصول لها إلى باب ذي الجلال، والنزول في جناب الحق المتعال، سألت باللسان الاستعدادي الذي هو أنطق اللسانين، والسؤال الحالي الذي هو أفصح السؤالين، والبيان الذاتي الذي هو أصرح البيانين، من الاسم الأعظم بواسطة الأسماء الأخر كمال الوجود، فتجلى عليها بالرحمة الرحيمية