من المجاز الذي في تأويلنا بأولى ممن عكس ذلك وعدل عن تأويله للمجاز الذي فيه، وإذا تجاذب التأويلان وتعادلا بطل التعلق بالظاهر، ولم يكن في الآية دليل للمخالف على الغرض الذي قصده، على إنا قد بينا فيما تقدم ما يقتضي خروج القوم عن مثل هذه الآية لأن الشدة على الكفار إنما تكون ببذل النفس في جهادهم والصبر على ذلك وأنه لاحظ لمن يعنون فيه.
فأما قوله: (فكيف يغتاظ الكفار من ستة نفر) فأول ما فيه أنه بني من حكاية مذهبنا على فساد فمن الذي قال له منا: إن المتمسكين بالحق بعد النبي صلى الله عليه وآله كانوا ستة أو ستين أو ستمائة؟ ومن الذي حصر له عددهم؟ وليس يجب إذا كنا نذهب إلى أنهم قليل بالإضافة إلى مخالفيهم أن يكونوا ستة لأنا نقول جميعا إن المسلمين بالإضافة إلى أمم الكفر قليل، وليس هم ستة ولا ستة آلاف على أنه قد فهم من قوله (والذين معه) ما ليس مفهوما من القول لأنه حمله على من عاصره وكان في حياته وليس الأمر على ما توهم لأن المراد بذلك من كان على دينه وملته وسنته إلى أن تقوم الساعة، وهؤلاء ممن يغيظ الكفار بلا شبهة، على إنا لو سلمنا أن المراد به من كان في حياته في عصره لم يلزم أيضا ما ظنه لأنه قد قتل ومات في حياة الرسول صلى الله عليه وآله قبل الهجرة وبعدها ممن كان على الحق عدد كثير وجم غفير يغيظ بعضهم الكفار فضلا عن كلهم.
فأما تعلقه بما روي عنه صلى الله عليه وآله من قوله: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم) (1) فأول ما فيه أنه خبر واحد لا يوجب علما ولا