أن هؤلاء الممتنعين لم يكن لهم عذر في الامتناع عن المحاربة جميعهم، بل فيهم من اعتذر بذلك. وفيهم من التمس أن يكون الاختيار بعد الشورى وإجالة الرأي، وفيهم من راعى الإجماع وامتنع من البيعة لفقده.
وبعد، فأي عذر لهم في تأخرهم عن المحاربة معه إذا كانوا على ما ادعاه صاحب الكتاب قد بايعوه، ورضوا بإمامته. والبيعة تشتمل على النصرة والمحاربة فكيف يدخل فيها من يخرج عن بعضها؟! وأن يحتاج في وجوب المحاربة إلى التشدد لأن سبب وجودها متقدم وهو البيعة. على أنه عليه السلام قد استنصر الناس، ودعاهم إلى القتال معه في الجمل وصفين، ولم يترك غاية في التشدد فينبغي أن يأثموا بالقعود عن المحاربة على كل حال.
فأما ابن عمر فإن كان قد ندم على ترك جهاد الفئة الباغية فما ندم على غيره مما يجب فسقه، وكيف لا يكون ما فعلوه من القعود عن بيعته، أو من المحاربة - وقد وجب عليهم - كبيرا، وفي ذلك مشاقة الإمام وخروج عن طاعته. ولئن جاز أن لا يكون فسقا ليجوزن أن لا يكون محاربته كذلك.
فأما خبر البشارة (1) فقد مضى الكلام عليه.
فأما أبو موسى فلم يذكر في توبته (على تصحيفه فيها وتشككه - إلا الخبر الذي رواه في العيادة. وليس فيه دليل على التوبة. وإنما روى أمير المؤمنين عليه السلام ما سمع، ومعلوم أنه لا يصح حمله على العموم.
لأن فيمن يعود المرضى الكافر والفاسق، فهم مستثنون منه. على أن أمير المؤمنين عليه السلام قد صرح بما في نفسه عليه، وإن لم يمنعه ذلك أن يخبره بما سمع. ولو كان تائبا قبل ذلك لكان ما في النفس عليه زائلا غير