صحيحا لاحتج به أبو بكر لنفسه واحتج له به في السقيفة وغيرها وكذلك عمر وعثمان، فهو أقوى من كل شئ احتجوا به في مواطن كثيرة لو كان صحيحا.
ومما يبين أيضا بطلانه إمساك طلحة والزبير عن الاحتجاج به لما دعوا الناس إلى نصرتهما واستنفارهم إلى الحرب معهما، وأي فضيلة أعظم وأفخم من الشهادة لهما بالجنة؟ وكيف يعدلان مع العلم والحاجة عن ذكر إلا لأنه باطل، ويمكن أن يسلم مسلم هذا الخبر ويحمل على الاستحقاق في الحال لا العاقبة، فكأنه عليه السلام أراد أنهم يدخلون الجنة إن وافوا بما هم عليه الآن وتكون فائدة الخبر إعلامنا أنهم مستحقون للثواب في الحال، وقول صاحب الكتاب: (إن من يستحق الجنة لا يقال له: إنه في الجنة) ليس بصحيح لأن الظاهر في الاستعمال أن الكافر في النار، والمؤمن في الجنة، والقاتل في جهنم، وليس له أن يقول: إن ذلك مجاز لأنه الأغلب الأكثر في الاستعمال وليس يمتنع أن يكون في الأصل مجازا ثم ينتقل إلى الحقيقة بكثرة الاستعمال لنظائره.
فأما ادعاؤه (إن الخبر لا خلاف فيه بين الرواة) فمكابرة لأنا كلنا نخالف فيه، ومعلوم أنا من أهل الرواية، فأما جمعه بين من أنكر ذلك فيهما وبين من أنكره في أبي بكر وعمر، فالأمر على ما ذكره، وقد بينا أنا منكرون للخبر من أصله.
فأما الخبر الذي رواه من معارضة عمار للزبير، وقوله: (أراك شككت) فقد ذكرناه فيما تقدم إلا أنه زاد فيه قول عمار: (يغفر الله لك) فلم نجد الزيادة في المواضع التي تضمنت هذا الخبر من كتب أهل السيرة، وكيف يستغفر عمار لشاك غير موقن ولا متحقق.
ومن أعجب الأمور استدلاله بالخبر الذي رواه بعد هذا وختم به، وأي دليل في عي طلحة عن جواب المسائل له عن مسيره وقتاله على توبته