الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ٢٤٧
المفترقون ويدخل الخارجون ولا يبقى إلا راض أو متظاهر بالرضا فأما والأمر جرى على خلاف ذلك فالظاهر الذي لا إشكال فيه أنه عليه السلام بايع مستدفعا للشر وفارا من الفتنة، وبعد أن لم يبق عنده بقية ولا عذر في المحاجزة والمدافعة، وهذا إذا عولنا في إمساكه عن النكير على الخوف المقتضي للتقية، وقد يجوز أن يكون سبب إمساكه عن النكير غير الخوف، إما منفردا وإما مضموما إليه، وذلك أنه لا خلاف بيننا وبين من خالفنا في هذه المسألة أن المنكر إنما يجب إنكاره بشروط، منها أن لا يغلب على ظنه أنه يؤدي إلى منكر أعظم منه، وإنه متى غلب في الظن ما ذكرناه لم يجز إنكاره، ولعل هذه كانت حال أمير المؤمنين عليه السلام في ترك النكير، والشيعة لا تقتصر في هذا الباب على التجويز، بل تروي روايات كثيرة أن النبي صلى الله عليه وآله عهد إلى أمير المؤمنين عليه السلام بذلك وأخبره أن القوم يدفعونه عن الأمر، ويغلبونه عليه، وإنه متى نازعهم فيه أدى ذلك إلى الردة ورجوع الحرب جذعة (1) وأمره بالإغضاء والإمساك إلى أن يتمكن من القيام بالأمور والتجويز في هذا الباب لما ذكرناه كاف.
وإن قيل: هذا يؤدي إلى أن يجوز في كل من ترك إنكار منكر هذا الوجه بعينه فلا نذمه على ترك نكيره، ولا نقطع على رضاه به.
قلنا: لا شك في أن من رأيناه كافا عن نكير منكر، ونحن نجوز أن يكون إنما كف عن نكيره لظنه أن يعقب ما هو أعظم منه، فإنا لا نذمه ولا نرميه أيضا بالرضا به، وإنما نفعل ذلك عند علمنا بارتفاع سائر الأعذار، وحصول شرائط جميع إنكار المنكر، وما نعلم بيننا وبينهم خلافا في هذا الذي ذكرناه على الجملة، وإنما يقع التناسي للأصول إذا بلغ الكلام إلى الإمامة، وليس لأحد أن يقول: إن غلبة الظن بأن إنكاره

(1) جذعة: فتية.
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»