الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ٢٤٦
قلنا: فأي أسباب وإمارات هي أظهر مما ذكرنا وروينا، هذا إن أردتم بالظهور أن ينقله جميع الناس ويعلموه ولا يرتابوا به فذلك اقتراح منكم لا ترجعون فيه إلى حجة، ولنا أن نقول لكم: من أين أوجبتم ذلك، وما المانع من أن ينقل أسباب التقية قوم ويعرض عن نقلها آخرون لأغراض لهم، وصوارف تصرفهم عن النقل؟ ولا خفاء بما هو في هذه الدعوى وأمثالها على أن الأمر في ظهور أسباب التقية أوضح من أن يحتاج إلى رواية خبر، ونقل لفظ مخصوص، لأنكم تعلمون أن أمير المؤمنين عليه السلام تأخر عن البيعة تأخرا علم وارتفع الخلاف فيه، ثم بايع بعد زمان متراخ عن البيعة، وإن اختلف في مدته، ولم يكن بيعته وإمساكه عن النكير الذي كان وقع منه إلا بعد أن استقر الأمر لمن عقد له، وبايعه الأنصار والمهاجرون، وأجمع عليه في الظاهر المسلمون، وشاع بينهم أن بيعته قد انعقدت بالاجماع والاتفاق، وأن من خالف عليه كان شاقا لعصا المسلمين، مبدعا في الدين، رادا على الله وعلى رسوله، وبهذا بعينه احتجوا على من قعد عن البيعة وتأخر عنها، فأي سبب للخوف أظهر مما ذكرناه؟ وكيف يراد سبب له ولا شئ يذكر في هذا الباب إلا وهو أضعف مما أشرنا إليه؟ وكيف يمكن أمير المؤمنين عليه السلام الخلاف على من بايعه جميع المسلمين، وأظهروا الرضا به، والسكون إليه؟ وإن مخالفه مبدع خارج عن الملة، وإنما يصح أن يقال: إن الخوف لا بد له من أسباب تظهر، وإن نفيه واجب عند ارتفاع أسبابه، لو كان أمير المؤمنين عليه السلام بايع في ابتداء الأمر مبتدئا بالبيعة طالبا لها، راغبا فيها من غير تقاعد، ومن غير أن تأخذه الألسن باللوم والعذل، فيقول واحد:
حسدت الرجل، ويقول الآخر: أردت الفرقة ووقوع الاختلاف بين المسلمين ويقول آخر: متى أقمت على هذا لم يقاتل أحد من أهل الردة، وطمع المرتدون في المسلمين، ومن غير أن يتلوم أو يتربص حتى يجتمع
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»