الجماعة سوى أمير المؤمنين عليه السلام فليس يخلون فيما نقلوه من أحد أمرين أما أن يكونوا صادقين أو كاذبين، فإن كانوا كاذبين فيما نقلوه، وقد تقدم أن الكذب لا يفعل إلا لغرض زائد، وأنه لا يجري مجرى الصدق، وأنه لا يخرج عن الأقسام التي قدمناها، وهي التواطؤ وما جرى مجراه، أو الشبهة، أو الاتفاق، فيجب إذا علمنا انتفاء الأقسام الثلاثة عن خبرهم أن يقطع على صدقهم، لأنه لا منزلة في الخبر بين الصدق والكذب، وقد بينا استحالة التواطؤ وما قام مقامه فيهم، وبينا أيضا استحالة وقوع الخبر منهم اتفاقا، وهذا مما لا يكاد يشتبه على عاقل لأنه معلوم من حالهم ضرورة عند اختبارها، وإنما المشتبه غيره مما سنوضحه.
فأما الشبهة والالتباس فمعلوم أيضا ارتفاعهما لأنهم لم يخبروا عن أمر يرجع فيه إلى النظر والاستدلال فيصح دخول الشبهة عليهم، بل خبروا عن أمر مدرك يعلم ضرورة، وليس يصح أيضا التباسه بغيره، لأنهم عارفون بالنبي صلى الله عليه وآله وبأمير المؤمنين عليه السلام معرفة تزيل الشك، وتحيل أن يكون اعتقدوا في القائل أو المقول فيه خلاف الحق، ولم يكن القول المسموع من بعد فيجوز أن يتوهموا فيه خلاف ما هو عليه، فإذا كانت جميع أسباب الشبهة واللبس ومظانهما مرتفعة، لم يكن لتجويز الاشتباه وجه، ولم يبق إلا أن ندل على حصول ما شرطناه في أسلاف الشيعة كحصوله في أخلافهم، ويعلم ذلك بالوجهين اللذين قدمناهما.
أحدهما - إن خبر النص لو كان ينتهي في أصله إلى فرقة قليلة العدد، أو آحاد ولدوه وأحدثوا الاحتجاج به بعد أن لم يكن معروفا، ونشروه في الجماعات، لوجب بمقتضى العادة أن يظهر ظهورا لا يمكن دفعه، ويشترك كل من كانت له معرفة بالأخبار والاختلاط بأهلها في العلم به، ولكان الزمان الذي ظهر فيه النص بعد أن لم يكن ظاهرا