واهتديت صراطا مستقيما، وإن سلطت الشهوة على العقل وجعلته منقادا لها ساعيا في استنباط الحيل المؤدية إلى مراداتها هلكت يقينا وخسرت خسرانا مبينا.
واعلم أن النفس إذا تابعت القوة الشهوية سميت " بهيمية "، وإذا تابعت الغضبية سميت " سبعية "، وإن جعلت رذائل الاخلاق لها ملكة سميت " شيطانية " وسمى الله تعالى هذه الجملة في التنزيل " نفسا أمارة بالسوء " إن كانت رذائلها ثابتة، وإن لم تكن ثابتة بل تكون مائلة إلى الشر تارة وإلى الخير أخرى وتندم على الشر وتلوم عليها سماها " لوامة "، وإن كانت منقادة للعقل العملي سماها " مطمئنة "، والمعين على هذه المتابعات قطع العلائق البدنية كما قال بعضهم:
إذا شئت أن تحيى فمت عن علائق ممن الحس خمس ثم عن مدركاتها وقابل بعين النفس مرآة عقلها فتلك حياة النفس بعد مماتها وفي حديث السفر " وابدأ بعلف دابتك فإنها نفسك " باسكان الفاء أي كنفسك، فكما تحتفظ على نفسك احتفظ عليها، ويرويها بعض من يدعي الفضيلة في الحديث " فإنها نفسك " بالتحريك من النفس بفتحتين، يعني الفرح والعيش والسعة والروح والراحة كما في " اللهم نفس كربتي " وهو كما ترى.
والنفس بالتحريك واحد الأنفاس، ومنه الحديث " يجزي بين الأذان والإقامة نفس " (1) والجمع أنفاس كسبب وأسباب والنفس أيضا: الجرعة من الماء، يقال أكرع من الماء نفسا أو نفسين أي جرعة أو جرعتين " وأنت في نفس من أمرك " أي في سعة منه.
وفي الخبر " لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن " أي تفرج الكرب وتنشئ السحاب وتنشر الغيب وتذهب الحزن.
وفيه " بعثت أنا من نفس الساعة " أي حين قيامها وقربها، إلا أنها أخرت قليلا قليلا فأطلق النفس على القرب.