العبادة منه بنعمته عليه، فذاك هو أخذ العهد منهم وآثار الصنعة فيهم، والاشهاد لهم على أنفسهم بأن الله ربهم، وقوله تعالى: (قالوا بلى) يريد به أنهم لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ودلائل حدثهم اللازمة لهم وحجة العقل عليهم في إثبات صانعهم، وكأنه سبحانه لما ألزمهم الحجة بعقولهم على حدوثهم ووجود محدثهم قال: ألست بربكم؟ فلما لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدث لهم كأنهم قائلين بلى شهدنا.
وقوله: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) و (تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) ألا ترى أنه احتج عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يتأولوا في إنكارهم ولا يستطيعون - انتهى كلامه.
وأقول: أنت خبير بأن حديث أخذ الميثاق على العباد في عالم الذرو استنطاقهم فيه مشهور بين الفريقين منقول بطرق عديدة فلا مجال لانكاره، إلا أن بعض علماء القوم جد في الهرب عن ظاهره لما يرد عليه من الآية الشريفة، وذلك لان قوله تعالى: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) إن كان هذا الاقرار عن ضرورة فلهم أن يقولوا يوم القيامة شهدنا يومئذ، فلما زال عنا علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا فمنا من أصاب ومنا من أخطأ، وإن كان عن استدلال مؤيد بعصمة عن الخطأ فلهم أن يقولوا يوم القيامة شهادتنا يومئذ كانت مؤيدة بالعصمة، فلما زالت منا فمنا من أصاب ومنا من أخطأ، فيبطل الاحتجاج عليهم.
ويمكن الجواب عن ذلك: أما على اعتقاد أن التكليف بالاقرار مطلوب من العباد في كل من العالمين فهو أن نقول:
إنا نختار أن الاقرار كان عن ضرورة لبعد احتمال غيره. قولكم لهم: إن يقولوا يوم القيامة شهدنا يومئذ، فلما زال عنا علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا فمنا من أصاب ومنا من أخطأ. قلنا:
غير مسلم أن العباد وكلوا إلى آرائهم في التكليف، وإنما هو عن علم ضروري أيضا لكنه مشروط بمقدمات نظرية مقدورة