مجمع البحرين - الشيخ الطريحي - ج ١ - الصفحة ٤٤
أخرج الذرية من ظهر آدم على صور الذر؟ أما الحديث في اخراج الذر من ظهر آدم على صورة الذر فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه، والصحيح أنه أخرج الذرية من ظهره كالذر ليعرفه قدرته ويبشره بأفضال نسله وكثرتهم وما عليهم من النور والظلمة، فملا بهم الأفق وجعل على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبه نور وعلى بعضهم نور وظلمة، فلما رآهم عجب من كثرتهم وما عليهم من النور والظلمة، فقال عليه السلام: ما لي أرى على بعضهم نورا لا ظلمة فيه وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور وعلى بعضهم نورا وظلمة؟ فقال تبارك وتعالى: وأما الذين عليهم النور بلا ظلمة فهم أصفيائي من ولدك الذين يطيعوني ولا يعصوني، وأما الذين عليهم الظلمة بلا نور فهم أعدائي الذين يعصوني ولا يطيعوني، وأما الذين عليهم نور وظلمة فأولئك الذين يطيعوني ويعصوني فيخلطون أعمالهم السيئة بأعمال حسنة، فهؤلاء أمرهم إلى إن شئت عذبتهم فبعدلي وإن شئت عفوت عنهم فبفضلي، فأعلمه تعالى بالكائن قبل أن يكونوا ليزداد آدم يقينا بربه ويدعوه ذلك إلى توقيره وطاعته والتمسك بأوامره واجتناب زواجره.
ثم قال: والاخبار التي جاءت بأن ذرية آدم استنطقوا فنطقوا فأخذ عليهم العهد فأقروا فهي أخبار ناسخة، وقد خلطوا فيها ومزجوا الحق بالباطل، والمعتمد ما ذكرناه، فإن تعلق متعلق بقوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) فظاهر هذا القول يحقق ما رواه أهل التناسخ والحشوية والعامة في أنطاق الذرية وخطابهم وأنهم كانوا أحياء ناطقين، فالجواب عنه أن لهذه الآية من المجاز في اللغة كتطايرها مما هو مجاز واستعارة، والمعنى فيها أن الله أخذ من كل مكلف يخرج من ظهر آدم وظهور ذرياته العهد عليهم بربوبيته من حيث أكمل عقله ودله بآثار الصنعة على حدوثه، وأن له محدثا أحدثه لا يشبهه يستحق
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الف 21
2 باب ب 145
3 باب ت 278
4 باب ث 305
5 باب ج 337
6 باب ح 438
7 باب خ 614