تغلب كان على معنى الاستقبال لقوة دلالته على المضي فمجرد التغليب لا يصحح استعمال ان ههنا بل لابد من أن يقال لما غلب صار الجميع بمنزلة غير المرتابين فصار الشرط قطعي الانتفاء فاستعمل فيه ان على سبيل الفرض والتقدير للتبكيت والالزام كقوله تعالى فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، وقل ان كان للرحمن ولد فانا أول العابدين.
(والتغليب) باب واسع (يجرى في فنون كثيرة كقوله تعالى وكانت من القانتين) غلب الذكر على الأنثى بان أجرى الصفة المشتركة بينهما على طريقة اجرائها على الذكور خاصة فان القنوت مما يوصف به الذكور والإناث لكن لفظ قانتين انما يجرى على الذكور فقط (و) نحو (قوله تعالى بل أنتم قوم تجهلون) غلب جانب المعنى على جانب اللفظ لان القياس يجهلون بياء الغيبة لان الضمير عائد إلى قوم ولفظه لفظ الغائب لكونه اسما مظهرا لكنه في المعنى عبارة عن المخاطبين فغلب جانب الخطاب على جانب الغيبة.
(ومنه) أي ومن التغليب (أبوان) للأب والام (ونحوه) كالعمرين لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما والقمرين للشمس والقمر، وذلك بان يغلب أحد المتصاحبين أو المتشابهين على الاخر بان يجعل الاخر متفقا له في الاسم ثم يثنى ذلك الاسم ويقصد اللفظ إليهما جميعا فمثل أبوان ليس من قبيل قوله تعالى [وكانت من القانتين] كما توهمه بعضهم لان الأبوة ليست صفة مشتركة بينهما كالقنوت.
فالحاصل ان مخالفة الظاهر في مثل القانتين من جهة الهيئة والصيغة وفي مثل أبوان من جهة المادة وجوهر اللفظ بالكلية (ولكونهما) أي ان وإذا (لتعليق أمر) هو حصول مضمون الجزاء (بغيره) يعنى حصول مضمون الشرط (في الاستقبال) متعلق بغيره على معنى انه يجعل حصول الجزاء مترتبا ومعلقا على حصول الشرط في الاستقبال ولا يجوز ان يتعلق بتعليق أمر لان التعليق انما هو في زمان التكلم لا في الاستقبال الا ترى انك إذا قلت إن دخلت الدار فأنت حر فقد علقت في هذه الحال حريته على دخول الدار في الاستقبال (كان كل من جملتي كل) من أن وإذا بعني