مختصر المعاني - سعد الدين التفتازاني - الصفحة ٢٨٣
أي اثباته ذلك الحكم (لمتعلق له آخر) على وجه يشعر بالتفريع والتعقيب وهو احتراز عن نحو غلام زيد راكب وأبوه راكب (كقوله أحلامكم لسقام الجهل شافية، كما دماؤكم تشفى من الكلب) هو بفتح اللام شبه جنون يحدث للانسان من عض الكلب إذ لا دواء له أنجع من شرب دم ملك كما قال الحماسي بنات مكارم واساة كلم، دماؤكم من الكلب الشفاء ففرع على وصفهم بشفاء أحلامهم من داء الجهل وصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب يعنى انهم ملوك وأشراف وأرباب العقول الراجحة.
(ومنه) أي ومن المعنوي (تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو ضربان أفضلهما ان يستثنى من صفة ذم منفية عن الشئ صفة مدح) لذلك الشئ (بتقدير دخولها فيها) دخول صفة المدح في صفة الذم (كقوله ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم، بهن فلول) جمع فل وهو الكسر في حد السيف (من قراع الكتائب) أي مضاربة الجيوش (أي ان كان فلول السيف من القرع عيبا فأثبت شيئا منه) أي من العيب (على تقدير كونه منه) أي كون فلول السيف من العيب.
(وهو) أي هذا التقدير وهو كون الفلول من العيب (محال) لأنه كناية عن كمال الشجاعة (فهو) أي اثبات شئ من العيب على هذا التقدير (في المعنى تعليق بالمحال) كما يقال حتى يبيض الفار وحتى يلج الجمل في سم الخياط (فالتأكيد فيه) أي في هذا الضرب (من جهة انه كدعوى الشئ ببينة) لأنه علق نقيض المدعى وهو اثبات شئ من العيب بالمحال والمعلق بالمحال محال فعدم العيب محقق.
(و) من جهة (ان الأصل في) مطلق (الاستثناء) هو (الاتصال) أي كون المستثنى منه بحيث يدخل فيه المستثنى على تقدير السكوت عنه.
وذلك لما تقرر في موضعه من أن الاستثناء المنقطع مجاز وإذا كان الأصل في الاستثناء الاتصال (فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها) يعنى المستثنى (يوهم اخراج شئ) وهو المستثنى (مما قبلها) أي مما قبل الأداة وهو المستثنى منه (فإذا وليها) أي الأداة (صفة مدح) وتحول الاستثناء من الاتصال إلى الانقطاع (جاء التأكيد لما فيه من المدح على المدح والاشعار بأنه لم يجد فيه صفة ذم حتى يستثنيها فاضطر إلى استثناء
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»