مختصر المعاني - سعد الدين التفتازاني - الصفحة ٢٧٨
هو بكفه على طريق الكناية لأنه إذا نفى عنه الشرب بكف البخيل فقد ثبت له الشرب بكف كريم ومعلوم انه يشرب بكفه فهو ذلك الكريم، وقد خفى هذا على بعضهم فزعم أن الخطاب ان كان لنفسه فهو تجريد والا فليس من التجريد في شئ بل كناية عن كون الممدوح غير بخيل، وأقول الكناية لا ينافي التجريد على ما قررناه ولو كان الخطاب لنفسه لم يكن قسما بنفسه بل داخل في قوله (ومنها مخاطبة الانسان نفسه) وبيان التجريد في ذلك أنه ينتزع من نفسه شخصا آخر مثله في الصفة التي سبق لها الكلام ثم يخاطبه (كقوله لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق ان لم يسعد الحال) أي الغنى فكأنه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله في فقد الخيل والمال وخاطبه.
(ومنه) أي ومن المعنوي (المبالغة المقبولة) لان المردودة لا تكون من المحسنات، وفى هذا إشارة إلى الرد على من زعم أن المبالغة مقبولة مطلقا وعلى من زعم أنها مردودة مطلقا، ثم انه فسر مطلق المبالغة وبين أقسامها والمقبولة منها والمردودة منها فقال (والمبالغة) مطلقا (ان يدعى لوصف بلوغه في الشدة أو الضعف حدا مستحيلا أو مستبعدا) وانما يدعى ذلك (لئلا يظن أنه) أي ذلك الوصف (غير متناه فيه) أي في الشدة أو الضعف، وتذكير الضمير وافراده باعتبار عوده إلى أحد الامرين (وتنحصر المبالغة (في التبليغ والاغراق والغلو) لا بمجرد الاستقراء بل بالدليل القطعي.
وذلك (لان المدعى ان كان ممكنا عقلا وعادة فتبليغ كقوله فعادى) يعنى الفراس (عداءا) هو الموالاة بين الصيدين يصرع أحدهما إلى أثر الاخر في طلق واحد (بين ثور) يعنى الذكر من بقر الوحش (ونعجة) يعنى الأنثى منها (دراكا) أي متتابعا (فلم ينضح بماء فيغسل) مجزوم معطوف على ينضح أي لم يعرق فلم يغسل.
ادعى ان فرسه أدرك ثورا ونعجة في مضمار واحد ولم يعرق، وهذا ممكن عقلا وعادة (وان كان ممكنا عقلا لا عادة فاغراق كقوله ونكرم جارنا ما دام فينا، ونتعبه) من الاتباع أي نرسل (الكرامة) على اثره (حيث مالا) أي سار وهذا ممكن
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»