لا إشكال بل لا خلاف فيه على الظاهر المصرح به في محكى المنتهى لان يده يد أمانة وإحسان فلا يتعقبه ضمان ما لم يكن هناك تعدا أو تفريط وقد رخص شرعا في دفعها إلى من ثبت لديه فقره بطريق ظاهري وقد عمل على وفق تكليفه فإن كان ذلك الشخص فقيرا في الواقع فقد وصل الحق إلى مستحقه وإلا فقد صار مال الفقير لديه بأمر الشارع الذي هو أقوى من إذن المالك فهو المطالب به بالفعل دون من كان في يده سابقا و خرج منها بلا تعد وتفريط فلا مقتضى هاهنا لضمان الدافع بعد أن لم يكن يده يد ضمان ولم يصدر منه تعد أو تفريط فما يستشعر من كلام شيخنا المرتضى (ره) حيث إنه بعد أن علل الحكم ببضع الوجوه القابلة للمناقشة قال والأجود الاعتماد على الاجماع من أنه لولا الاجماع لكان محلا للتأمل لا يخلو من نظر فليتأمل وأما إن كان الدافع هو المالك ففي أجزائه أقوال ثالثها التفصيل بين ما إذا اجتهد فأعطى فلا ضمان وبين ما إذا أعطى اعتمادا على مجرد دعوى الفقر أو أصالة عدم المال فيضمن ولا منافاة بين الضمان وكونها مأذونا في الدفع كما في ساير موارد تخلف الطرق الظاهرية عن الواقع في الموضوعات الخارجية مثل ما لو كان عليه دين أزيد وهو لا يعرف شخصه فشهدت البينة بأن هذا أزيد فدفع إليه المال ثم انكشف الخلاف حجة القول بالاجزاء مطلقا أنه فعل المأمور به وهو الدفع إلى من يظهر منه الفقر إذ الاطلاع على الباطن متعذر وأمثال الامر الاجزاء ومنه أن المأمور إنما هو أيضا شئ من ما له إلى الفقراء والمساكين ولم يحصل وتعذر الاطلاع على الباطن أوجب صحة التعويل على هذا الظاهر ورضى الشارع به إي الرخصة في ترتيب إثر الواقع على هذا الظاهر ما لم ينكشف الخلاف كما هو الشأن في سائر الامارات المنصوبة شرعا لتشخيص الموضوعات الخارجية كالبينة وأخبار صاحب اليد ونحوهما ولدى انكشاف مخالفتها للواقع يؤثر الواقع أثره كما في المثال المتقدم والفرق بين دفع الامام والمالك حيث التزمنا في الأول بعدم الضمان دون الثاني ما تقدمت الإشارة إليه من أن حق الفقراء بصرفه إلى الإمام عليه السلام أو نائبه يتشخص فيما صرف إليه لولايته عليهم فلو غصبه ثالث ينتقل ما يستحقه الفقير بعينه عند ذلك الثالث فلو صدر من النائب تعد أو تفريط بحيث صارت يده عادية كما لو دفعه عمدا إلى غير المستحق وجب عليه ما دام بقاء العين أن يدفع عنها بدل الحيلولة وهذا بخلاف ما إذا كان الدافع هو المالك فإن ما دفعه إلى الغني بأسم الزكاة لم يخرج عن ملكه بل هو باق على ما كان عليه وقد كانت يده عليه يد مالكيته فإن تمكن من ارتجاعه لم يجب عليه ذلك بل يجوز له إخراج الفريضة من الباقي إصالة لا بدلا عما دفعه إلى الغني نعم لو قيل إنه متى عين المالك زكاة ماله في عين صرفها إلى مستحقه أو مطلقا يتعين زكاته فيما عنيه فتبقى العين في يده أمانة حتى يوصلها إلى مستحقها اتجه القول بنفي ضمان المالك أيضا كما هو مختار المصنف وغيره لعين ما مر ولكن المبنى ضعيف لانتفاء ما يدل عليه كما سيأتي لذلك مزيد توضيح وتحقيق في مسألة ما لو عزلها فتلفت بلا تعد أو تفريط فالأقوى ما قواه في الجواهر وشيخنا المرتضى (ره) في مصنفاته وفاقا للمحكي عن المفيد وأبي الصلاح الحلبي من القول بعدم الاجزاء مطلقا ويدل عليه أيضا مضافا إلى الأصل وعموم ما دل على إنها بمنزلة الدين وإن الموضوع من الزكاة في غير موضعها بمنزلة العدم ومفهوم العلة الواردة لوجوب إعادة المخالف زكاته بأنه لم يضعها في موضعها خصوص مرسلة الحسين بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل يعطي زكاة ماله رجلا وهو يرى إنه معسر فوجده موسرا قال لا يجزي عنه واستدل للقول بالتفصيل بين صورة الاجتهاد وعدمه المنسوب إلى جماعة بل في الجواهر لعله المشهور بين المتأخرين بأنه أمين فيجب عليه الاستظهار وفحوى أو إطلاق الحسن أو الصحيح عن عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عارف أدى الزكاة إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤيدها ثانية إلى أهلها إذا علمهم قال نعم قال قلت فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدها أو لم يعلم إنها عليه فعلم بعد ذلك قال يؤديها إلى أهلها لما مضى قال قلت فإن لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو بأهل وقد كان طلب وأجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع قال ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى وعن الشيخ في التهذيب إنه قال وعن زرارة مثله غير إنه قال إن اجتهد فقد برء وإن قصر في الاجتهاد والطلب فلا وأورد عليه في المدارك بما لفظه ويتوجه على الأول إنه إن أريد بالاجتهاد القدر المسوغ لجواز الدفع ولو بسؤال الفقير فلا ريب في اعتباره إلا أن مثل ذلك لا يسمى اجتهادا ومع ذلك فيرجع هذا التفصيل بهذا الاعتبار إلى ما أطلقه الشيخ في المبسوط من انتفاء الضمان مطلقا وإن أريد به البحث عن حال المستحق زيادة على ذلك كما هو المتبادر من لفظ الاجتهاد فهو غير واجب إجماعا على ما نقله جماعة وعلى الروايتين إن موردهما خلاف محل النزاع لكنها تدلان بالفحوى على انتفاء الضمان مع الاجتهاد في محل النزاع وأما الضمان مع انتفاء الاجتهاد فلا دلالة هما عليه في المتنازع بوجه إنتهى وهو جيد عدى إن ما أعترف به من دلالة الروايتين على انتفاء الضمان مع الاجتهاد في محل النزاع لا يخلو من نظر لان المراد بغير الأهل بحسب الظاهر الغير العارف فالروايتان بظاهرهما تدلان على إن من دفع زكاته إلى غير العارف عند عدم وجدان العارف مع الطلب والاجتهاد لا بدونه أجزئه ذلك ولا إعادة عليه فإن جوزنا العمل بهذا الظاهر كما سيأتي التكلم فيه فهي مسألة أخرى لا ربط لها بصورة الخطاء في تشخيص المستحق الذي هو محل الكلام كما لا يخفى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فإن لم يعلم أهلها الشبهة الموضوعية أي لم يعرف أهلها فدفعها إلى من ليس بأهل اشتباها بزعم كونه أهلا فيتناول على هذا بإطلاقه محل النزاع لو لم نقل بانصرافه بشهادة السياق إلى إرادة الاشتباه من حيث كونه عارفا فالذي كان إحرازه في تلك الاعصار محتاجا إلى الفحص والاجتهاد لا من حيث الفقر الذي يسمع دعواه من مدعيه فيتحقق حينئذ المعارضة بينه وبين مرسلة الحسين في مادة اجتماعهما وهو الاشتباه في الأهلية من حيث الفقر مع الاجتهاد ولا يخفى عليك إن شمول المرسلة لهذا المورد أوضح من شمول الحسنة له بعد تسليم أصله والغض عما أشير إليه وعلى تقدير التكافؤ بحسب الرجوع إلى الأصول والقواعد القاضية بعدم تحقق الفراغ عن عهدة التكليف بالزكاة إلا بوضعها في موضعها فالقول بعدم الاجزاء مطلقا ولو مع الاجتهاد هو الأشبه وكذا الكلام فيما لو بان إن المدفوع إليه كافرا أو فاسق بناء على إشتراط العدالة فيه أو ممن تجب عليه نفقته أو هاشمي وكان الدافع من غير قبيلة لاتحاد
(٩٣)