ما يشرب فيه استعماله لكنه لابد من تأويلها بعد مخالفته ظاهرها لفتوى الأصحاب وللاخبار الناهية عن الاكل يجعل الحصر إضافيا أريد به الاحتراز عما ليس بانية كالمرأة ونحوها ويحتمل ان يكون قوله (ع) ما يشرب به كناية عن مطلق الانية حيث إن من شأنها غالبا ان تستعمل في الشرب كما أنه يحتمل أيضا بل لعله الظاهر من الرواية إرادة الإناء المفضض لا الفضة وكيف كان فما يصلح الاستناد إليه التعميم الحكم بالنسبة إلى ساير الاستعمالات بعد الاجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة وعدم نقل الخلاف في المسألة ليس الا خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه فهي عن انية الذهب والفضة الدال باطلاقه على النهى عنها مطلقا في ساير استعمالاتها واما ما عداه من الروايات وان كان بعضها نصا في إرادة سائر الاستعمالات كصحيحة محمد بن إسماعيل التي ورد فيها قضية المرأة لكنها لا تدل على الحرمة لما أشرنا إليه من أن الاخبار المتضمنة للفظ الكراهة لا تدل الاعلى مطلق المرجوحية الصادقة على الحرمة والكراهة وما يقال من أن مبالغة الإمام (ع) في تنزيه فعل أبي أحسن (ع) عن امساك المرأة الملبسة بالفضة قرنية على إرادة الحرمة من الكراهة ففيه مالا يخفى خصوصا مع أن المرأة بحسب الظاهر غير مندرجة في موضوع الانية وان أوهمه كلام السائل وجواب الإمام (ع) كما يشهد بذلك العرف واللغة بل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة على بعض محتملاتها فالظاهر أن منشأ ما ذكره السائل من نقل رواية المرأة مجرد المناسبة بينها وبين الانية أو انه فهم لبعض المناسبات ان المراد بالانية التي كرها الإمام (ع) ما يعم مثلها لا خصوص مسماها عرفا كما يشهد لذلك نقل الإمام (ع) لقضية العباس وامر أبي الحسن عليه السلام بكسر القضيب مع أن القضيب ليس من الانية بلا شبهة فالمراد بالكراهة الشاملة لمثل هذه الأمور ليس الا مطلق المرجوحية والحاصل انه لا يستفاد من الروايات التي ورد فيها التعبير بالكراهة أزيد من المرجوحية وثبوت حرمة بعض الاستعمالات كالأكل والشرب بدليل خارجي لا يصلح دليلا الحمل الكراهة في هذه الروايات على خصوص الحرمة بل الانصاف انه لولا اعتضاد اطلاق خبر محمد بن مسلم بالفتاوى لاشكل استفادة الاطلاق منه أيضا لكونه اخبار اجماليا عن نهى صادر عن الإمام (ع) متعلق بالانية لم يعرف صورته حتى يؤخذ بظاهره وليس لعبارة ابن مسلم ظهور يعتد به في كون متعلق النهى الصادر عنه (ع) مطلق استعمالها وان اقتضاه حذف المتعلق وإضافة النهى إلى نفس الانية لكن الاعتماد عليه لا يخلو عن من اشكال فعمدة المستند في التعميم هو الاجماع ومن هنا قد يقوى في النظر جواز اقتنائها إذ لا اجماع على المنع منه فان فيه قولان كما ستعرف بل ربما يستشعر من الأخبار الناهية عن الأكل والشرب عدم حرمة الاقتناء بل وكذا التزيين بها فإنه لا يعد استعمالا لها عرفا ولو قيل بان التزيين أيضا نحو من استعمالها قلنا كلمات المجمعين منصرفة عن هذا النحو من الاستعمال * (نعم) * لا ينبغي التأمل في كراهته بل وكراهة الاقتناء أيضا لقوله (ع) في خبر موسى بن بكير انية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون وفى امر الإمام (ع) بكسر القضيب في صحيحة محمد بن إسماعيل أيضا شهادة عليها والله العالم * (تنبيه) * مقتضى ظاهر النصوص المستفيضة الناهية عن الأكل والشرب في انية الذهب والفضة كظاهر المتن وغيره وصريح بعض متأخري المتأخرين حرمة نفس الفعلين من حيث ذاتهما فايصال ما في الانية إلى الجوف على وجه صدق عليه عرفا الأكل والشرب في الانية بان يكون بمباشرة الفم للآنية كما هو الغالب في الشرب أو بالية اليد وما جرى مجريها من الوسائط الغير المنافية للصدق العرفي محرم وان لم يكن نفس الايصال الذي به يتحقق مفهوم الأكل والشرب إذ لوحظ من حيث هو استعمالا للآنية إذ المدار بمقتضى هذه الأخبار على صدق الأكل والشرب في الانية سواء صدق عليهما استعمال الانية أم لا غاية الأمر ان حصول العنوان المحرم الذي هو عبارة عن الاكل أو الشرب في الانية كما في معظم الاخبار أو من الانية كما في بعضها ملزوم لتحقق الاستعمال اما لكونه من مقدمات وجوده أو من مقومات مهيته فلو لم يكن لنا دليل دال على حرمة استعمال انية الذهب والفضة عد الأخبار الناهية عن الأكل والشرب فيها لكنا نلتزم بإباحة سائر الاستعمالات حتى المضمضة والاستنشاق بل كنا يقول لو تناول الشئ من الانية ووضعه في فمه بقصد الاكل فمنعه مانع من الازدراد لم يصدر منه عنه الا التجري وانما التزمنا بحرمتها للاجماع وغيره مما دل على حرمة استعمالها مطلقا والحاصل ان مقتضى ظواهر النصوص حرمة نفس الأكل والشرب لا مجرد التناول من الإناء كما ذهب إليه جماعة من الأصحاب على ما فهمه منهم صاحب الحدائق بل ربما نسبه غير واحد إلى ظاهر المشهور ولكنك ستعرف ما في هذه النسبة من النظر وقد حكى عن المفيد القول بحرمة ذات المأكول والمشروب ما داما في انية الذهب والفضة ومالي ما قويناه لأن إضافة الحرمة إلى الذوات انما هي بلحاظ الفعل المتعلق بها فالمراد بخرقه المأكول ما دام في الانية ليس الا حرمة اكله فيها فالاعتراض عليه بان النهى عن الاكل لا يتعدى إلى المأكول ليس على ما ينبغي واضعف من ذلك المناقشة في الاستدلال لمذهبه بحديث يجرجر في بطنه نارا بان الحقيقة غير مرادة والمتبادر من المعنى المجازى كون ذلك سببا في دخول النار في بطنه وهو لا يستلزم تحريم نفس المأكول والمشروب ضرورة ان المتبادر منه كون الاكل بنفسه سببا لجريرة النار في البطن لا مقدمته التي هي أجنبية عن البطن فالمتبادر إلى الذهن من التشبيه ليس الا حرمة المأكول التي مالها إلى حرمة الاكل كما أن هذا هو المتبادر
(٦٤٩)