ونزل عن المنبر وخرج الناس فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ثم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات فجعل الناس يقولون: هنيئا لابن رسول الله (ص) بكرامات الله تعالى فقال بعض الحساد ارضاء للمأمون: يا أمير المؤمنين أعيذك أن يكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم والفضل العظيم من ولد العباس إلى بيت ولد علي (ع)، ولقد أعنت على نفسك جئت بهذا الساحر ولد السحرة وقد كان خاملا فأظهرته، ومستخفيا فأظهرته ورفعته، ومنسيا فذكرت به، ومخفيا فنوهت به بل ما أخوفني إلى أن يتوصل بسحره إلى إزالة نعمتك والتوثب على مملكتك، هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك أنت؟ فقال المأمون:
وقد كان هذا الرجل مستترا عنا يدعو إلى نفسه، فأردنا إن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا وليعترف بالملكة والخلافة لنا، وليعتقد فيه المفتونون به أنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير وأن هذا الامر لنا من دونه وقد خشينا أن تركناه على تلك الحال أن يفتق علينا ما لا نسده ويأتي علينا منه مالا نطيقه، والآن إذ قد فعلنا به ما فعلنا وأخطأنا في أمره ما أخطأنا وأشرفنا على الهلاك منه ما أشرفنا فليس يجوز التهاون في أمره، ولكن نحتاج إلى أن نضع منه قليلا قليلا حتى نصيره عند الرعية بصورة من لا يستحق هذا الامر ثم ندبر فيه ما يحسم عنا مواد بلائه، فقال الرجل: ولني مجادلته فإني أفحمه وأصحابه وأضع من قدره، ولولا هيبتك في صدري لأريتك قصوره وأنزلته منزلته، فقال المأمون: لك ذلك. ثم أمر المأمون باجتماع الناس فاجتمعوا فقال ذلك الحاسد للإمام (ع):
إن الناس قد أكثروا عنك الحكايات لدعوتك في المطر المعتاد، لقد عدوت طورك وتجاوزت محلك أن بعث الله تعالى بمطر مقدر لوقته يتقدم ولا يتأخر فجعلته آية تستطيل بها وصولة تصول بها كأنك جئت بآية الخليل إبراهيم (ع) لما أخذ برؤوس الطيور ودعا بأعضائها التي فرقها على رؤوس الجبال فأتينه سعيا وركبن على الرؤوس، وكلمته بأذن الله تعالى، فإن كنت صادقا فأحيي هاتين الصورتين اللتين على مسند المأمون وسلطهما علي فإن ذلك يكون لك آية