قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس " (1).
وما أحلى قول الشاعر هذا:
إذا المرء أعطى نفسه كل شهوة * ولم ينهها تاقت إلى كل باطل يتبع تلك النصائح من اعتلت أخلاقه ومرضت بدوافع نفسية أو خلقية. أما من ساء خلقه بأسباب مرضية جسمية، فعلاجه بالوسائل الطبية، وتقوية الصحة العامة، وتوفير دواعي الراحة والطمأنينة، وهدوء الأعصاب (2) الهوى آفة الأخلاق ولا يختلف المحللون للظواهر الاجتماعية السيئة والمسلكيات الفردية الشاذة في أن (الهوى) الجماعي والفردي هو المصدر الأول للفساد والمحن والفتن المضلة كلها، إن رصد حالات المفسدين في الأرض ودراسة الأسباب الكامنة خلف أنواع المحن التي كبلت حياة الناس وحولتها إلى جحيم لا يطاق يهدينا إلى فهم هذه الحقيقة وقد صرح بها أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا في كلمته الهادية: " الهوى أس المحن " (3). وفي الكلمتين التاليتين عنه (عليه السلام): " لا دين مع هوى " و " لا عقل مع هوى " (4).
وكما ذكرنا إن الدين عامل خارجي والعقل عامل داخلي، هما قوتان محوريتان في حركة الإنسان نحو الصحيح في كل شئ. لتستيقن بصحة هذا المفهوم تأمل ماذا يحدث لو تعطلتا عند إنسان ما؟ وقد تعطلتا بالفعل في كل عصر فحدثت إثر ذلك الكوارث والدمار والظلم وسفك الدماء البريئة! وكان قد حذر أمير المؤمنين (عليه السلام) من اتباع الهوى لأنه يعطل في الإنسان حركة العقل وحركته إلى الدين، قال (عليه السلام): " أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق واما طول الأمل فينسي الآخرة " (5).