من أخلاق الإمام الحسين (ع) - عبد العظيم المهتدي البحراني - الصفحة ٢٧٥
وخيبر وحنين يشهدان له * وفي قريضة يوم صيلم قتم (1) مواطن قد علت في كل نائبة * على الصحابة لم أكتم كما كتموا فغضب هشام ومنع جائزته وقال: ألا قلت فينا مثلها، قال: هات جدا كجده وأبا كأبيه وأما كأمه حتى أقول فيكم مثلها. فحبسه بعسفان بين مكة والمدينة. فبلغ ذلك علي بن الحسين (عليهما السلام) فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال: إعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به. فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت هذا الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كنت لأرزأ عليه شيئا. فردها إليه وقال: بحقي عليك لما قبلتها، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك. فقبلها، فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله:
أتحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس تهوى منيبها تقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعين له حولاء باد عيوبها فأخبر هشام بذلك فأطلقه، وفي رواية أبي بكر العلاف أنه أخرجه إلى البصرة (2) نعم هكذا تنتصر الأخلاق الحسينية وتنشق الحجب من فوق عيون المغفلين ويفضح أمر المجرمين.
فليس الانتصار عند الإمام الحسين (عليه السلام) هو اعتلاء كرسي الحكم الزائل أو الاستلام للرئاسة الباطلة أو العمالة للطغاة خوفا أو طمعا، كما يتلهف لها حتى بعض المنادين باسم الحسين (عليه السلام) وما النصر إلا من عند الله، ولا ينصر الله إلا من ينصره في دينه. وقد نصر الحسين (عليه السلام) دين الله، فهو المنتصر بنصر الله. إذن لا يمكن القول في ثورة الحسين إلا أنها منصورة ومنتصرة بالمفهوم المعنوي والأخلاقي والحضاري والروحي، وكذلك المادي، إذ قامت الثورات الاحتجاجية بعدها حتى انتهت الدولة الأموية الدموية إلى غير رجعة، فعرفت الأمة أن دين محمد (صلى الله عليه وآله) لم يزل قائما إلى يومنا والى يوم القيامة، فما أعظم هذا النصر!

١ - الصيلم: الامر الشديد والداهية. والقتم من القتام بمعنى الغبار.
٢ - المناقب: ج 4 ص 169 - 172.
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»