بالطبع ان مستوى وعي الإنسان بالقيم ومدى التزامه بالأخلاق الفاضلة، هو الذي يحدد طريقة تعامله مع من يخالفه في الدين أو المذهب.. ذلك لأن الإيمان بقيمة الإنسان كإنسان، وحقه في أن يعيش حرا كريما، حسبما يشاء ويختار، هذا الإيمان يفرض على صاحبه احترام إرادة الآخرين والاعتراف بحريتهم في اختيار أديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم.. وللتربية الأخلاقية دورها الفعال والحاسم في تنظيم علاقة الإنسان بالآخرين وخاصة من يختلف معهم.
ومؤلم حقا ما يحتفظ به التاريخ من سجلات دامية لحالات الصراع والاضطهاد المتبادل بين أبناء الدين الواحد عند اختلاف مذاهبهم في فترات انحطاط الوعي وتدني المستوى الأخلاقي. وإذا كانت هناك أعذار تلتمس، ومبررات تفتعل للصراع والعداء بين أتباع الأديان المختلفة المتناقضة، فما هي مبررات الصراع بين أبناء الدين الواحد، مع انتمائهم لعقيدة واحدة تجمعهم وإيمانهم بزعيم روحي واحد، ومع وجود القواسم المشتركة ومجالات الاتفاق التي هي أوسع وأكبر من مساحة الاختلاف فيما بين مذاهبهم؟
بالتأكيد لا سبب ولا مبرر، إلا تفشي الجهل وتدني الأخلاق وتحريك المغرضين المصلحيين من الخارج والداخل. (1) فإلتفاف كل فرد حول المحاور المبدئية والقيم الأخلاقية، ينتج التفاف الناس حول بعضهم وتماسك وحداتهم المتعددة في مواجهة الأخطار والتحديات، لذلك خاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشيرته: " يا بني عبد المطلب انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر " (2).
وفي رواية أخرى يخاطب بها أمته: " انكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم " (3).
وقال أيضا: " سوء الخلق شؤم، وشراركم أسوأكم خلقا " (4).