حول البداء والكلام فيه ضمن مباحث:
الأول: اعلم أن من جملة معتقدات الشيعة الإمامية والفرقة الناجية المقتبسة من الكتاب والسنة ومما يفصح عنه اتفاق كلمات علمائهم ورجالاتهم في التفسير والحديث والكلام والعقايد أمران:
الامر الأول: الاعتقاد بان الله تعالى عالم بجميع الأشياء من الأزل وقبل وجودها لا يزيد في علمه شيئا، ولا يزاد فيه ولا تأخر لعلمه عن ذاته، ولا هو غير ذاته بل هو عين ذاته، وهو العالم بالأشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها، ليس علمه مسبوقا بالجهل كما أن وجوده ليس مسبوقا بالعدم، وقدرته ليست مسبوقة بالعجز فهو منزه عن كل ما فيه وصمة الجهل والنقص، ومقدس من أن يظهر له امر على خلاف ما علم أو بعد خفائه عنه (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا).
وقد أثبتوا في كتبهم الكلامية وغيرها استحالة خفا شئ عنه كاستحالة كونه محلا للحوادث والتغير والتبدل. ويترتب على كل من الاستحالتين استحالة البداء بمعنى ظهور الشئ بعد الخفا، وحصول العلم به بعد الجهل به على الله سبحانه وتعالى.
الامر الثاني: اعتقادهم بان الله تعالى قادر مختار ينشئ الأشياء بمشيته، ويفعل ما يشاء بحكمته. له الخلق والامر والتدبير، لم يفرغ من امر الخلق والرزق لا يفعل ما يفعل بالايجاب بل بالإرادة والمشية. فكل يوم هو في شان، ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. يقدم اجل هذا ويؤخر مدة ذاك.
يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي. يعز من يشاء ويذل من يشاء.
يرسل الرياح وينزل الغيث، وما من دابة في الأرض الا عليه رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها. بعث النبيين واحدا بعد واحد مبشرين ومنذرين وانزل عليهم الكتاب كتابا بعد كتاب. يسمع دعاء عباده ويستجيبه، ويدفع عنهم ميتة السوء والبلا، ويفرج عنهم الغموم، ويكشف منهم الهموم. يزيد في الأعمار والآجال، والأرزاق، والأمطار، والبنين، وسائر ما أنعم به على عباده بالايمان والتقوى والأعمال الصالحة كالصدقة وقضاء حوائج الناس، والاحسان إليهم، وصلة الرحم، والبر بالوالدين وشكر النعمة، والاستغفار، والتوبة.
قال الله تعالى: ولئن شكرتم لأزيدنكم، وقال سبحانه: استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا، وقال عز من قائل: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما، وقال سبحانه وتعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، وقال: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون و.. و..