مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ٢ - الصفحة ٢٩
وجوب العمل بالأحاديث المخرجة في أصول الشيعة وجوامعهم المعتبرة عرفت ان العمل والاحتجاج باخبار الثقات مما اتفق العقل والنقل على صحته، فالواجب الاخذ بخبر الثقة الممدوح بالأمانة والوثاقة، سواء كان من الشيعة أو من أهل السنة . كما أنه لا ينبغي الاخذ والاتكال على اخبار الكذابين والوضاعين والمجهولين والمنافقين من أي فرقة كانوا.
فالاعراض عن الروايات المخرجة في جوامع الشيعة المنقولة إليهم عن أئمتهم بسندهم المتصل إلى جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله ينافي ما استقر عليه بنا العقلا ودلت عليه الأدلة السمعية.
فان الأمانة والاخلاص يحتمان على كل باحث في كتب الفريقين، وان لا يقتصر في ذلك على أحاديث طائفة دون أخرى، فلا يجوز له ترك هذا العلم الكثير في أبواب المعارف الاسلامية من الفقه والعقائد والأخلاق والآداب والتفسير والاحتجاج.
ومن جهة أخرى، فإنه يظهر لكل مطلع على كتبهم الرجالية سعة تحقيقاتهم في تعرف أحوال الرجال، وانهم أشد من غيرهم بكثير في الاعتماد على الممدوحين بالوثاقة والعدالة، كما يظهر لكل باحث في كتبهم الفقهية شدة تورعهم في الفتيا واحتياطهم في استنباط الاحكام وملاحظة خصوصيات الأحاديث من السند والمتن وموافقتها الكتاب، واجتنابهم الشديد عن القول بغير علم، واستنادهم في الجرح والتعديل ومعرفة رجال الحديث إلى أقوال أكابر علمائهم الذين لم يقدح فيهم قادح، واتفقت الكلمة على جلالة قدرهم وصدقهم وورعهم.
واما الرجاليون من إخواننا أهل السنة وان كان فضلهم أيضا لا ينكر في المسائل الرجالية لان لهم في هذا العلم دراسات لا يستغنى الباحث في الرجال والحديث عنها الا ان بعض علمائهم في الجرح والتعديل مطعون عندهم بشئ من الهوى والحسد والعداوة والتدليس وغيرها، حتى أن ابن معين يتهم أحمد بن حنبل بالكذب.
وذكر الشيخ الصالح المقبلي في كتابه (العلم الشامخ في تفضيل الحق على الاباء والمشائخ) ان احمد لما تكلم في مسالة خلق القرآن وابتلى بسببها جعلها عديل التوحيد أو زاد، حتى أنه بلغه ان محمد ابن هارون قال لإسماعيل بن علية: يا بن الفاعلة قلت القرآن مخلوق أو نحو هذه العبارة. قال احمد: لعل الله يغفر له يعنى محمد بن هارون وكان إسماعيل بن علية أحق ان يرجو له احمد الخ.
وقال المقبلي: نجد أحدهم ينتقل من مذهب إلى آخر بسبب شيخ أو دولة أو غير ذلك من الأسباب الدنيوية والعصبية الطبيعية، كما رووا ان ابن الحكم أراد مجلس الشافعي بعد موته، فقيل له: قال الشافعي الربيع أحق بمجلسي، فغضب وتمذهب لمالك وصنف كتابا سماه (الرد على محمد بن إدريس فيما خالف فيه الكتاب والسنة).
وتكلموا في علي بن المديني لما أجاب في الفتنة، والذابون عنه لم يجدوا من الذب الا
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»