مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٦٦
وما صدر منه من العلوم، لا يدل على أن مستوى غيره ممن حفظ عنه التاريخ ذلك، كان أرفع وأعلى منه، لا سيما مع ما نعلم بأن السبب الوحيد في عدم حفظ ما صدر من بعض الأئمة (عليهم السلام)، مثل الإمامين السبطين (عليهما السلام)، إلا النزر اليسير هو السياسات الغاشمة الجبارة الحاكمة على المسلمين.
وإن شئت أن تعرف أفاعيل السياسية في ذلك، والخسارات العلمية التي منيت بها هذه الأمة من أرباب هذه السياسات، التي حرمت الناس حرياتهم في أخذ العلوم الإسلامية من منابعها الأصلية، ومصادرها الأولية، راجع كتب التاريخ، وكتاب النصايح الكافية، وكتابنا (أمان الأمة).
نعم مرت على هذه الأمة أزمنة كان أخذ العلم عن أهل البيت (عليهم السلام)، وروايته من أعظم الجرائم السياسية، وكان يعذب محبوهم وشيعتهم شر تعذيب، وينكل بهم أشد التنكيل، يقطعون أيديهم وألسنتهم، ويقتلونهم شر قتلة، ويسبون بطل الإسلام، ونفس الرسول وباب علمه، وخليفته ووصيه على المنابر، التي لم تقم في الإسلام إلا بمجاهداته وتضحياته وبطولاته.
ففي هذه الظروف والأحوال لم تسمح الفرص لبعض الأئمة (عليه السلام) القيام ببث العلم، كما سمحت للبعض الآخر مثل الإمام الباقر والإمام جعفر الصادق (عليهما السلام)، ومع ذلك فما في أيدينا منهم يكفي في الدلالة على علومهم اللدنية، وأن مستوى كل واحد منهم والجميع سواء، فهذا الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قد أخذ العلم منه جماعة يربو عددهم على أربعة آلاف رجل، حتى أن الحافظ الشهير ابن عقدة (المتوفى سنة 333) صنف كتابا في أسماء الرجال الذين رووا عنه أربعة آلاف رجل، وأخرج لكل رجل حديثا وعلما رواه عن الصادق (عليه السلام)، وله أيضا كتاب من روى عن أمير المؤمنين، وكتاب من روى عن الحسن والحسين (عليهم السلام)، وكتاب من روى عن علي بن الحسين (عليه السلام)، وكتاب من روى عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، وهو الذي قال في مجلس مناظرته: أنه يجيب بثلاثمأة ألف حديث من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام).
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 69 71 72 73 ... » »»