مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٣٥٦
وبذلك فرقوا المسلمين وجعلوهم شيعا، واختلقوا في كل قطر وبلد حكومة، إن لم نقل إنها أسست في الأصل لمصلحة الاستعمار، فبالإمكان القول إنها أسست على قاعدة تجعل لكل حكومة سياسة خاصة وأهدافا مستقلة، لا ينتفع بها الإسلام والمسلمون، اللهم سوى الطغمة الحاكمة في تلك المنطقة. والاستعمار بعد ذلك هو المستفيد الوحيد من هذه التفرقة تمام الفائدة، بل إنه يرى بقاءه في وطننا الإسلامي الكبير، منوطا بهذه التفرقة، مع أن الإسلام يؤكد على ضرورة أن يكون لجميع المسلمين، بل لجميع أبناء البشر سياسة موحدة وحكومة واحدة، تحفظ جميع سكان الأرض، شرقها وغربها، إذ يقول الله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (1) وهناك مانع آخر كان له فيما مضى أثر كبير في ضعف المسلمين وتفريق كلمتهم، حتى وصل بهم الأمر، إلى رمي بعضهم البعض بالكفر والشرك، ألا وهو النفاق واللجاج والعناد والتعصب الأعمى والقبلية!
فالباحث في التاريخ الإسلامي، يقرأ الكثير عن الحروب الدامية والغزوات المدمرة، التي راح ضحيتها جماعات من المسلمين، إثر البحوث الكلامية بين الأشاعرة والمعتزلة، والخلافات الشديدة بين معتنقي المذاهب الأربعة، والعصبيات التي قضت على حرية التفكير الشيعي، وحالت دون أخذ التفسير والفقه وسائر العلوم الإسلامية، عن أئمة أهل البيت، عليهم الصلاة والسلام.
ولكن هذا المانع أصبح ضعيفا في عصرنا هذا، بفضل المصلحين، وانبثق فجر جديد في تاريخ المسلمين، لا يفكر فيه المسلم - الشيعي أو السني - بكيفية الوقوف بوجه أخيه، بل أصبح على العكس من ذلك، يفكر بكيفية القيام إلى جنبه أو وراءه، لعونه ونصرته ومؤازرته.
فالعالم الإسلامي، قد تحرك وانتفض، وانتبه واستيقظ من رقدته، وأخذ يسير في طريق انتشال حقه وانتزاعه. فهذه النهضات الإسلامية في جميع البلاد، قد أعيت

(1) الأنبياء - 92.
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»