فاطمة والمفضلات من النساء - عبد اللطيف البغدادي - الصفحة ٩٨
ارتوت منه عقولهم ومضغوا لبابه حتى نمت منه أفئدتهم واستنارت به بصائرهم، فأدركوا جمال ربهم، واستشعروا لطف خالقهم، فآثروا رضاه على رضا أنفسهم، وهم الذين وصفهم النبي (ص) في بعض أحاديثه المنقولة عنه بقوله: إن لله خواصا من خلقه يسكنهم الرفيع الأعلى من جنانه لأنهم كانوا أعقل أهل الدنيا. فقيل له: يا رسول الله وكيف كانوا أعقل أهل الدنيا؟ فقال (ص): كانت همتهم المسارعة إلى ربهم فيما يرضيه فهانت الدنيا عليهم فلم يرغبوا في فضولها صبروا صبرا قليلا فاستراحوا طويلا. (1) نعم هكذا يصفهم النبي (ص) في حديثه هذا بأنهم خواص من خلقه. أي ثلة قليلة خاصة من خلق الله تعالى قد خصهم بلطفه بأن هداهم إلى دينه القويم في الدنيا وأسكنهم الرفيع الأعلى من جنانه في الآخرة ذلك لأن درجات الجنان كمنازل الدنيا متفاوتة بعضها أرفع من بعض فهؤلاء الخواص درجاتهم أرفع من درجات غيرهم، وبين (ص) العلة في رفع درجاتهم وهي أنهم كانوا أعقل أهل الدنيا، ومعلوم أن الله يجازي عباده يوم القيامة على قدر عقولهم، وحينما سئل عن كيفية تفوقهم في عقولهم أي ما كانت أعمالهم وأفعالهم وما هي اتجاهاتهم الدالة على تفوق عقولهم أجاب (ص) عن أهم صفاتهم وهي أنهم: كانت همتهم القصوى والوحيدة المسارعة إلى ربهم فيما يرضيه فهم ليس لهم هم إلا طلب رضا الله تعالى فتراهم يقدمون رضاه على رضا خلقه وعلى رضا أنفسهم، ولذلك هانت الدنيا وما فيها من النعم عليهم فلم يرغبوا في فضولها بل زهدوا فيها وفي فضولها علما

(1) راجع (ارشاد الديلمي) ج 1 الباب الأول ص 10.
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 107 ... » »»