صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٧
الأسلوب الخاص، أبلغ الخطباء وابرعهم إصابة للمناسبات، وأطولهم خطابة على اختصار الكلمات.
نعم انه يؤبنه بما لا يسع أحدا في التاريخ أن يؤبن به غيره. وكل تأبين على غير هذا الأسلوب، كان بالامكان أن يؤبن على غراره غيره وغيره من عظماء الناس. اما الأوصاف الفريدة التي ذكرها الحسن لأبيه في هذا التأبين، فكانت الخصائص العلوية التي لا تصح لغير علي في التاريخ، ولا يشاركه فيها أحد من العظماء ولا من الأولياء.
انه ينظر اليه من زاويته الربانية - نظر امام إلى امام - فإذا هو الراحل الذي لا يشبهه راحل ولا مقيم، ولا يضاهيه - في شتى مراحله - ولي ولا زعيم.
رجل ولكنه الذي لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون. وانسان ولكنه بين جبرئيل وميكائيل، وهل هذا الا الانسان الملائكي. ترفع روحه يوم يرفع عيسى، ويموت يوم يموت موسى، وينزل إلى قبره يوم ينزل القرآن إلى الأرض! مراحل كلها بين ملك مقرب ونبي مرسل وكتاب منزل، ومع رسول الله يقيه بنفسه. فما شأن مكارم الدنيا، إلى جنب هذه المكرمات الكرائم، حتى يعرض إليها في تأبينه.
ولعلك تتفق معي الآن إلى أن هذا الأسلوب الرائع " الفريد " فيما أبن به الحسن أباه عليهما السلام، كان أبلغ تأبين في ظرفه، وأليقه بهذا الفقيد.
وهذه احدى مواقفه الخطابية، التي دلت بموهبتها الممتازة على نسبها القريب، من جده ومن أبيه (صلى الله عليهما وعلى آلهما). وسيكثر منذ اليوم أمثالها، من الحسن " الخليفة " عليه السلام، بحكم نزوله إلى قبول البيعة من الناس، وبما سيستقبله من طوارئ كثيرة، تستدعيه للكلام وللقول وللخطابة في مختلف المناسبات.
* * *
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 52 53 54 55 57 58 59 60 61 62 ... » »»