صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٨
ووقف بحذاء المنبر في المسجد الجامع - وقد غص بالناس - ابن عمه " عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب ". ينتظر هدوء العاصفة الباكية المرنة، التي اجتاحت الحفل، في أعقاب تأبين الامام الحسن لأبيه عليهما السلام.
ثم قال - بصوته الجهوري الموروث - الذي يدوي في الأرض دوي أصوات السماء، وما كان عبيد الله منذ اليوم، الا داعي السماء إلى الأرض:
" معاشر الناس هذا ابن نبيكم، ووصي امامكم فبايعوه " " يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم ".
وفي الناس إلى ذلك اليوم، كثير ممن سمع نص رسول الله صلى الله عليه واله، على إمامته بعد أبيه. فقالوا: " ما أحبه الينا وأوجب حقه علينا وأحقه بالخلافة ". وبادروا إلى بيعته راغبين.
وكان ذلك يوم الواحد والعشرين من شهر رمضان، يوم وفاة أبيه عليه السلام، سنة أربعين للهجرة (1).
وهكذا وفقت الكوفة لان تضع الثقة الاسلامية في نصابها المفروض لها، من الله عز وجل ومن العدل الاجتماعي، وبايعته - معها - البصرة والمدائن وبايعه العراق كافة، وبايعه الحجاز واليمن على يد القائد العظيم " جارية بن قدامة "، وفارس على يد عاملها " زياد بن عبيد "، وبايعه - إلى ذلك - من بقي في هذه الآفاق من فضلاء المهاجرين والأنصار، فلم يكن لشاهد أن يختار ولا لغائب أن يرد، ولم يتخلف عن بيعته - فيما نعلم - الا معاوية ومن اليه، واتبع بقومه غير سبيل المؤمنين، وجرى مع الحسن مجراه مع أبيه بالأمس. وتخلف أفراد آخرون عرفوا بعد ذلك بالقعاد.

(1) يرجع فيما ذكرناه هنا إلى شرح النهج لابن أبي الحديد (ج 4 ص 11) وذكر غيره مكان عبيد الله أخاه عبد الله. وسنشير في فصل " القيادة والنفير " إلى ان عبد الله لم يكن في الكوفة أيام بيعة الحسن.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 57 58 59 60 61 62 64 ... » »»