صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٥
عبد الملك ومن الوليد، ومن آخرين وآخرين.
كل ذلك كان يجب أن يستحث المسلمين إلى الانتصاف للاسلام، فلا يضيفون إلى مراكزه الدينية العليا، الا الأكفاء المتوفرين بتربيتهم على مثاليته والذين هم أقرب الناس شبها بمصدر عظمته الأول (ص).
وعلمنا - مما تقدم - أن الحسن بن علي عليهما السلام، كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خلقا وخلقا وهيأة وسؤددا (1). وانه كان عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك. وعلمنا أنه كان سيد شباب أهل الجنة في الآخرة. والسيد في الآخرة هو السيد في الدنيا غير منازع. و " السيد " المطلق لقبه الشخصي الذي لقبه به جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وعلمنا أنه كان أشرف الناس نسبا، وخيرهم أبا وأما وعما وعمة وخالا وخالة وجدا وجدة. كما وصفه مالك بن العجلان في مجلس معاوية (2).
فلم لا يكون - على هذا - هو المرشح بالتزكية القطعية للبيعة العامة. كما كان - إلى ذلك - هو الامام المقطوع على أمره بالنص. ولم لا يضاف اليه المركز الديني الأعلى، وهو من عرفت مقامه وسموه ومميزاته. وإذا تعذر علينا أن نفهم الإمامة والكفاءة للخلافة، من هذه القابليات الممتازة والمناقب الفضلى، فأي علامة أخرى تنوب عنها أو تكفينا فهمها.
* * * خرج عليه السلام إلى الناس، غير ناظر إلى ما يكون من أمرهم معه، ولكنه وقف على منبر أبيه، ليؤبن أباه بعد الفاجعة الكبرى في مقتله صلوات الله وسلامه عليه.
فقال: " لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون. لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه. ولقد كان يوجهه برايته، فيكتنفه جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه. ولقد توفي في الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران. ورفع بها عيسى بن مريم، وانزل القرآن. وما خلف صفراء ولا بيضاء الا سبعمائة درهم من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله (1) ".
وتأبين الحسن هذا - بأسلوبه الخطابي - فريد لا عهد لنا بمثله، لأنه - كما ترى - لم يعرض إلى ذكر المزايا المعروفة في الراحل العظيم، كما هي العادة المتبعة في أمثال هذه المواقف، ولا سيما في تأبين الرجال الذين احتوشوا الفضائل، فكان لهم أفضل درجاتها، ومرنوا على المكارم فإذا هم في القمة من ذرواتها، علما وحلما وفصاحة وشجاعة وسماحة ونسبا وحسبا ونبلا ووفاء واباء، كعلي الذي حير المادحين مدح علاه. فلماذا يعزف الحسن عليه السلام، فيما يؤبنه به عن الطريقة المألوفة في تأبين العظماء؟. ترى أكانت الصدمة القوية في مصيبته به، هي التي سدت عليه - وهو الخطيب المصقع وابن أخطب العرب - أبواب القول فيما ينبغي أن يقول، أم أنه كان قد عمد إلى هذا الأسلوب قاصدا، فكان في اختيار

(١) اليعقوبي (ج ٢ ص ١٩٠) وابن الأثير (ج ٣ ص ١٦) ومقاتل الطالبيين.
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 52 53 54 55 57 58 59 60 61 ... » »»