وهرثمة شحناء وتنافر، فلما التقى به السندي، وناوله الكتاب، فقرأه، وقال:
" نوطئ نحن الخلافة، ونمهد لهم أكنافها، ثم يستبدون بالأمور ويستأثرون بالتدبير علينا، فإذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم وإضاعتهم الأمور، أرادوا أن يصلحوه بنا، لا والله، ولا كرامة حتى يعرف أمير المؤمنين - يعني المأمون - سوء آثارهم وقبيح أفعالهم ".
وتباعد عنه السندي، ويئس منه، ووردت عليه رسالة من المنصور بن المهدي، فلما قرأها استجاب، وقفل راجعا إلى بغداد فلما صار إلى (النهروان) خرج البغداديون إلى استقباله، وفي طليعتهم الوجوه وقادة الجيش، وحينما رأوه ترجلوا جميعا، ونزل في داره، وامر الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت إليه ليختار من الرجال ما شاء، وأطلقت إليه بيوت الأموال، واخذ هرثمة يجمع الجيوش ويعد العدة لمناجزة أبي السرايا، ولما كملت جيوشه وكان عددهم ثلاثين الف مقاتل ما بين فارس وراجل زحف بهم نحو الكوفة واجتاز على (المدائن) فاستولى عليها، وهزم عاملها، ثم زحف نحو (الكوفة)، والتقى جيشه بجيش أبي السرايا، فالتحما ودارت بينهما معارك رهيبة، وقد قتل من أصحاب أبي السرايا خلق كثير، وقد انهارت قواه العسكرية، ولم يعد قادرا على حماية (الكوفة) التي هي عاصمته، فهرب نحو (القادسية) ثم منها إلى (السوس) فاغلق أهلها عليه الأبواب، وطلب أبو السرايا منهم أن يفتحوها له ففتحوها، ووقعت الحرب بينهم وبين أهالي السوس فانهزم أبو السرايا قاصدا (خراسان)، فنزل قرية يقال لها (برقانا) فخرج إليهم عاملها فاجتمع بهم، وأعطاهم الأمان فاستجابوا له، وفي نفس الوقت أرسلهم إلى الحسن بن سهل، وكان مقيما بالمدائن، فلما انتهوا إليه أمر بقتل أبي السرايا، فقتل، ثم امر بصلب رأسه في الجانب الشرقي من بغداد، كما أمر بصلب بدنه في الجانب الغربي من بغداد (1) وكانت المدة بين خروجه وقتله عشرة أشهر (2).
وانتهت بذلك هذه الحادثة الخطيرة، وقد قتل فيها ما يقرب من مائتي الف مقاتل، ومما لا شبهة فيه ان هذه الثورة وأمثالها كانت ناجحة من سوء السياسة العباسية التي لم تألوا جهدا في ظلم الناس وارغامهم على الذل والعبودية للحكم العباسي.