لأبي السرايا أي ضلع فيها لان الثورة كانت في بدايتها، وليس من الممكن بأي حال من الأحوال أن يقدم أبو السرايا على اغتياله في تلك الظروف الحرجة التي لم يتيقن فيها بنجاح ثورته.
ومهما يكن من أمر فان أبا السرايا قام بتجهيز الجثمان الطاهر فغسله وأدرجه في أكفانه، وحملوه في غلس الليل البهيم إلى (الغري) فدفنوه فيه (1) ورجعوا إلى الكوفة، وفي الصبح جمع أبو السرايا الناس، ونعى إليهم الزعيم الكبير محمد وعزاهم بوفاته، فارتفعت الأصوات بالبكاء، والتفت إليهم قائلا:
" ولقد أوصى أبو عبد الله إلى شبيهه، ومن اختاره وهو أبو الحسن علي بن عبيد الله، فان رضيتم به فهو الرضى، وإلا فاختاروا لأنفسكم ".
وساد الوجوم في جميع قطعات الجيش، ولم ينبس أحد ببنت شفة وانبرى العلوي محمد بن محمد بن زيد، وهو غلام حدث السن، فخاطب العلويين قائلا:
" يا آل علي إن دين الله لا ينصر بالفشل، وليست يد هذا الرجل - يعني أبا السرايا - عندنا بسيئة، وقد شفى الغليل وأدرك الثأر ".
والتفت إلي علي بن عبيد الله، فقال له:
" ما تقول: يا أبا الحسن، فقد وصانا بك، أمدد يدك نبايعك ".
وأضاف يقول:
" ان أبا عبيد الله رحمه الله قد اختار، فلم بعدم الثقة في نفسه ولم يألوا جهدا في حق الله الذي قلده، وما رد وصيته تهاونا بأمره ولا ادع هذا نكولا عنه، ولكن أتخوف أن اشتغل به عن غيره، مما هو أحمد وأفضل عاقبة، فامض رحمك الله لأمرك، واجمع شمل بني عمك، فقد قلدناك الرياسة علينا، وأنت الرضى عندنا الثقة في أنفسنا ".
ثم التفت إلى أبي السرايا فقال له:
" ما ترى أرضيت به؟ ".
وسارع أبو السرايا قائلا:
" رضاي من رضاك وقولي من قولك ".