حياة الإمام الرضا (ع) - السيد جعفر مرتضى - الصفحة ٢٣٦
وعلى كل حال، فإن هذا أسلوب قديم اتبعه العباسيون في دعوتهم الأولى أيضا، حيث بايعوا للعلويين، وأظهروا أن الدعوة لهم وباسمهم..
ثم كانت النتيجة هي ما يعلمه كل أحد، حيث انقلبوا عليهم يوسعونهم قتلا وعسفا، وتشريدا عندما خافوهم. فلم يعودوا بحاجة إليهم.
ه‍ -: أضف إلى ذلك ما تقدم أن المأمون كان يعلم قبل أي شخص آخر بطبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين الأئمة (ع)، وبين الزيدية، حيث إنها كانت على درجة من السوء والتدهور. وكان عدم التفاهم، والانسجام فيما بينهم واضحا للعيان.. حتى لقد شكى الأئمة (ع) منهم، وصرحوا: بأن الناس قد نصبوا العداوة لشيعتهم، أما الزيدية فقد نصبوا العداوة لهم أنفسهم (1)، وفي الكافي رواية مفادها: إنه (ع) قال إنهم قبل أن يصلوا إلى الحكم كانوا لا يطيعونهم فكيف تكون حالهم معهم لو أنهم وصلوا إلى الحكم وتبوءوا كرسي الرئاسة.

(1) راجع: الوافي للفيض ج 1 ص 143، باب: الناصب ومجالسته.
هذا. ولا يمنع ذلك ما ورد عنهم عليهم السلام من أن خروج الزيدية وغيرهم على الحكام يدرؤا به عنهم، وعن شيعتهم: فقد جاء في السرائر قسم المستطرفات ص 476 أنه: " ذكر بين يدي أبي عبد الله من خرج من آل محمد صلى الله عليه وآله، فقال عليه السلام:
لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد إلخ.. " وذلك لأن اصطدامهم مع الحكام كان يصرف أنظار الحكام إليهم، ويفسح المجال أمام أهل البيت وشيعتهم إلى حد ما. ولم يكن هناك مجال لاتهام الأئمة وشيعتهم بالتواطؤ معهم، مع ما كان يراه الحكام من عدم الانسجام الظاهر بين الأئمة وبين الزيدية، وغيرهم من الثائرين وسلبية كل فريق منهما تجاه الآخر..
وأخيرا.. فلا بد لنا هنا من الإشارة إلى أن ثورات العلويين، سواء على الحكم الأموي، أو الحكم العباسي، قد ساهمت في أن يبقى حق العلويين في الحكم متحفظا بقوته وحيويته في ضمير الأمة، ووجدانها. ولم تؤثر عليه حملات القمع والتضليل، التي كان الحكم القائم آنذاك يمارسها ضدهم، وضد هذا الحق الثابت لأهل البيت عليهم السلام بالنص.
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»
الفهرست