حياة الإمام الرضا (ع) - السيد جعفر مرتضى - الصفحة ٢٣١
خرجوا مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، أو أفتوا بالخروج معه (1).
وعلى كل حال.. فإن ما يهمنا بيانه هنا: هو أن المأمون كان يريد

(١) مقاتل الطالبيين ص ٣٧٧، وغيرها من الصفحات، وغيرها من الكتب. ويرى بعض أهل التحقيق: أن المقصود هو جميع أصحاب الحديث في الكوفة. ولكن الظاهر أن المراد: الجميع مطلقا، كما يظهر من مراجعة مقاتل الطالبيين وغيره.
والأمر الذي تجدر الإشارة إليه هنا: هو أن فرقة من الزيدية، وفرقة من أصحاب الحديث، قد قالوا بالإمامة على النحو الذي يقول به الشيعة الإمامية، عندما جعل المأمون " الرضا عليه السلام " وليا لعهده. لكنهم بعد وفاة الرضا عليه السلام رجعوا عن ذلك:
قال النوبختي في فرق الشيعة ص ٨٦:
". وفرقة منهم تسمى " المحدثة " كانوا من أهل الإرجاء، وأصحاب الحديث، فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر، وبعده بإمامة علي بن موسى، وصاروا شيعة، رغبة في الدنيا وتصنعا. فلما توفي علي بن موسى عليه السلام رجعوا إلى ما كانوا عليه.
وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء، والبصراء، فدخلوا في إمامة علي بن موسى (ع)، عندما أظهر المأمون فضله، وعقد بيعته، تصنعا للدنيا، واستكانوا الناس بذلك دهرا.
فلما توفي علي بن موسى (ع) رجعوا إلى قومهم من الزيدية. " وقد تقدم قول الشيبي: إنه قد التف حول الرضا (ع) " المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته.. " وغير ذلك.
والذي نريد أن نقوله هنا هو: أن " الإرجاء دين الملوك " على حد تعبير المأمون (على ما نقله عنه في ضحى الإسلام ج ٣ / ٣٢٦)، نقلا عن طيفور في تاريخ بغداد.
وفي البداية والنهاية ج ١٠ / ٢٧٦: أن المأمون قال للنضر بن شميل: ما الإرجاء؟.
قال: " دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون به من دينهم " قال:
صدقت الخ. وليراجع كتاب بغداد ص ٥١، وعمدة القول بالإرجاء (القديم) هو: المغالاة في الشيخين، والتوقف في الصهرين، فالإرجاء والتشيع، وخصوصا القول بإمامة موسى بن جعفر، وولده علي الرضا على طرفي نقيض ومن هنا كانت المساجلة الشعرية بين المأمون المظهر لحب علي وولده، وابن شكلة المرجي، يقول المأمون معرضا بابن شكلة:
إذا المرجي سرك أن تراه * يموت لحينه من قبل موته فجدد عنده ذكرى علي * وصل على النبي وآل بيته أما ابن شكلة فيقول معرضا بالمأمون:
إذا الشيعي جمجم في مقال * فسرك أن يبوح بذات نفسه فصل على النبي وصاحبيه * وزيريه وجاريه برمسه راجع: مروج الذهب ج ٣ / ٤١٧، والكنى والألقاب ج ١ / ٣٣١، وبعد هذا. فإنه لمن غرائب الأمور حقا، الانتقال دفعة واحدة من القول بالإرجاء إلى التشيع، بل إلى الرفض (وهو الغلو في التشيع حسب مصطلحهم، والذي يتمثل بالقول بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام (وأغرب من ذلك العودة إلى الإرجاء بعد موت علي الرضا عليه السلام.
وهذا إن دل على شئ، فإنما يدل على مدى تأثير السياسة والمال في هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم - بادعائهم - مسؤولية الحفاظ على الدين والذود عن العقيدة، فإنهم كانوا في غاية الانحطاط الديني، يتلونون - طمعا بالمال والشهرة - ألوانا، حتى إن ذلك يحملهم على القول بعقيدة، ثم القول بضدها، ثم الرجوع إلى المقالة الأولى، إذا رأوا أن الحاكم يرغب في ذلك، ويميل إليه، ولهذا أسموا ب‍ " الحشوية " يعني: أتباع وحشو الملوك، وأذناب كل من غلب، ويقال لهم أيضا (وهم في الحقيقة أهل الحديث): " الحشوية، والنابتة، والغثاء، والغثر. " على ما في كتاب: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ٨٠.
وراجع أيضا فرق الشيعة، ورسالة الجاحظ في بني أمية، وغير ذلك.
بل لقد أطلق عليهم المأمون نفسه لفظ " الحشوية " في مناقشته المشهورة للفقهاء والعلماء المذكور في العقد الفريد والبحار، وعيون أخبار الرضا وغير ذلك.
وقال عنهم الزمخشري في مقام استعراضه للمذاهب والنحل، ومعتنقيها:
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه * يقولون تيس ليس يدي ويفهم ويقابل كلمة " الحشوية " كلمة " الرافضة " التي شاع إطلاقها على الشيعة الإمامية.
ومعناها في الأصل: جند تركوا قائدهم. فحيث إن الشيعة لم يكونوا قائلين بإمامة أولئك المتغلبين، سموهم ب‍ " الرافضة " ولذا جاء في تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٦١:
أن معاوية كتب إلى عمرو بن العاص:
" أما بعد. فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة الخ.. ". ومثل ذلك ما في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٣٤، فالمراد بكلمة رافضة هنا هو ذلك المعنى اللغوي الذي أشرنا إليه، فسمي الشيعة بالرافضة، لأنهم - كما قلنا - رفضوا الانقياد لأولئك الحكام المتغلبين.
يقول السيد الحميري على ما جاء في ديوانه وغيره - يهجو البعض:
أبوك ابن سارق عنز النبي * وأمك بنت أبي جحدر ونحن على رغمك الرافضون * لأهل الضلالة والمنكر ولكن قد جاء في الطبري، مطبعة الاستقامة ج ٦ ص ٤٩٨، والبداية والنهاية ج ٩ ص ٣٣٠، ومقدمة ابن خلدون ص 198، ومقالات الإسلاميين ج 1 ص 130، وغاية الاختصار ص 134: أن سبب تسمية الشيعة ب‍ " الرافضة " هو أنهم عندما تركوا نصرة زيد بن علي في سنة 122 ه‍. قال لهم زيد: رفضتموني، رفضكم الله، وهذا كذب راج على بعض الشيعة أيضا حيث ذكروا وذكر الطبري في نفس الصفحة المشار إليها آنفا: أن التسمية كانت من المغيرة بن سعيد، لما رفضته الشيعة.. وكانت قضيته سنة 119 ه‍.
ولكن الحقيقة هي أن التسمية بالرافضة كانت قبل سنتي 122 ه‍ و 119 ه‍. فقد جاء في المحاسن للبرقي ص 119 طبع النجف، باب الرافضة: أن الشيعة كانوا يشكون إلى الباقر المتوفى سنة 114 أن الولاة قد استحلوا دماءهم وأموالهم باسم: " الرافضة " الخ.
وجاء في ميزان الاعتدال طبع سنة 1963 م. ج 2 ص 584 بعد ذكره لإسناد طويل أن الشعبي المتوفى سنة 104 ه‍. قال لأحدهم: " ائتني بشيعي صغير، أخرج لك منه رافضيا كبيرا ".
وفي كتاب: روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار ص 40، أن الشعبي قال:
" أحبب آل محمد ولا تكن رافضيا، وأثبت وعيد الله، ولا تكن مرجئيا. ".
بل لدينا ما يدل على أن تسمية الشيعة ب‍ " الرافضة " كان قبل سنة المئة، فقد جاء في المحاسن والمساوي للبيهقي ص 212، طبع دار صادر وأمالي السيد المرتضى ج 1 ص 68 هامش: أن لما أنشد الفرزدق أبياته المشهورة في الإمام زين العابدين، المتوفى سنة 95 ه‍ قال عبد الملك بن مروان المتوفى سنة 86 ه‍ للفرزدق: " أرافضي أنت يا فرزدق؟! ". وعلى كل حال: فإن ذلك كله قد كان قبل قضيتي زيد والمغيرة ابن سعيد بزمان بعيد.
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 234 235 236 237 238 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الإهداء 7
2 تقديم 9
3 تمهيد 11
4 " القسم الأول: ممهدات " 19
5 قيام الدولة العباسية 21
6 مصدر الخطر على العباسيين 64
7 سياسة العباسيين ضد العلويين 74
8 سياسة العباسيين مع الرعية 107
9 فشل سياسة العباسيين ضد العلويين 129
10 " القسم الثاني: ظروف البيعة وأسبابها.. " 138
11 شخصية الإمام الرضا (ع) 139
12 من هو المأمون 148
13 آمال المأمون وآلامه 155
14 ظروف البيعة وأسبابها 192
15 أسباب البيعة لدى الآخرين 254
16 " القسم الثالث: أضواء على الموقف.. " 275
17 عرض الخلافة ورفض الإمام 277
18 قبول ولاية العهد بعد التهديد 280
19 مدى جدية عرض الخلافة 285
20 موقف الإمام 299
21 خطة الإمام 310
22 " القسم الرابع: من خلال الأحداث.. " 362
23 مع بعض خطط المأمون 363
24 كاد المريب أن يقول: خذوني 397
25 ما يقال حول وفاة الإمام 401
26 دعبل والمأمون 433
27 كلمة ختامية 436
28 وثائق هامة 439
29 رسالة الفضل بن سهل إلى الإمام 441
30 وثيقة ولاية العهد 444
31 رسالة المأمون إلى العباسيين 453
32 رسالة عبد الله بن موسى إلى المأمون 461
33 رسالة سفيان إلى هارون 465
34 قصيدة الأمير أبي فراس الحمداني 469