وخرج المصطفى في غزوة حنين إلى هوازن، في الآلاف العشرة الذين شهدوا معه فتح مكة، ومعهم ألفان من أهل مكة.
وكادت مأساة (أحد) تتكرر.
بلغ القائد الرسول بجنده منحدرا في واد من تهامة، سبقهم إليه المشركون من هوازن وأحلافها، فكمنوا لهم في شعابه وأحنائه ومضايقه، ثم انحطوا بغتة في عماية الصبح، فشدوا عليهم، فولوا راجعين لا يلوي أحد على أحد، لم يبق منهم مع المصطفى سوى نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته.
يومها تكلم رجال من المنافقين ومن المكيين حديثي العهد بالاسلام بما في أنفسهم من الضغن، وقال أبو سفيان في شماتة: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر.
وعقب آخر، جبلة بن الحنبل: ألا بطل السحر اليوم!
وبطل السحر حقا، لكنه سحر الغفلة والضلال.
تدارك المصطفى الموقف، فأمر عمه (العباس بن عبد المطلب) - وكان جهير الصوت - فصاح بالمسلمين يستنفرهم للجهاد مع نبيهم المصطفى، ويسترجعهم إلى أماكنهم حوله، وإن واحدة من الصحابيات (أم سليم بنت ملحان) لتثبت مع القلة المؤمنة وإنها لحامل بعبد الله ابن أبي طلحة، وقد حزمت وسطها ببرد تتقي الاجهاض، ومعها خنجر مشهر، فيقول صلى الله عليه وسلم: (أم سليم؟) وتجيب: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله. اقتل هؤلاء الذين