فكبر على كنانة أن يردها ليعود فيتسلل بها سرا بعد أن يذاع في الناس أن قد ردتها قريش. وهم ليمضي بها، فراعه أن رآها تنزف دما، وقد طرحت جنينها على أديم الصحراء!
وعاد بها إلى مكة، حيث سهر أبو العاص على رعايتها وتمريضها لا يفارقها لحظة من ليل أو نهار، حتى إذا استردت بعض قواها، ودعها للمرة الثانية وداع محب مقهور. وخرج بها كنانة حتى بلغت مأمنها.
ولم يتبعها في هذه المرة طالب، بل أغمض الذين طاردوها بالأمس أعينهم، وقد ركبهم الخزي والعار من قول هند بنت عتبة تعيرهم، وتذكرهم بهزيمتهم في بدر:
أفي السلم أعيار، جفاء وغلظة، * وفى الحرب أشباه النساء العوارك؟
استقبلت دار الهجرة بنت المصطفى بترحاب بالغ، شابت فرحة اللقاء فيه سورة الغضب لما أصابها عند خروجها من مكة، وعاشت زينب في رعاية أبيها المصطفى على أمل لم يغلبها عليه اليأس قط:
أن يشرح الله صدر أبي العاص للاسلام، فيلتئم الشمل الممزق.
وكان عليها أن تنتظر ست سنوات طوال ليتحقق هذا الامل الغالي، ثم لا يكاد الشمل يلتئم حتى ترحل عن الدنيا بعد عام وبعض عام من اسلام أبي العاص، فيكون فراق لا لقاء بعده على هذه الأرض.