تبدو غير متكافئة، وهم الذين باعوا الدنيا بالآخرة، وبايعوا المصطفى عليه الصلاة والسلام على الجهاد معه في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، وليس فيهم من دخل في دينه إلا وهو على بينة من أمره.
المهاجرون خرجوا من ديارهم وأموالهم.
والأنصار أصحاب العقبة الكبرى، بايعوا النبي عليه الصلاة والسلام (على نهكة الأموال وقتل الاشراف) وودوا لو قاتلوا الوثنية عن دينهم من يوم العقبة، لولا أن قال الرسول عليه الصلاة والسلام:
(لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم).
ليس التفسير إذن، أنهم كانوا مظنة التردد في القتال أو الخوف من قوة عدوهم وكثرته.
وإنما اقتضت سنة الله سبحانه، أن تطول تلك الجولة المكية الأولى بغير قتال، ليؤمن من يؤمن عن عقيدة خالصة واقتناع حر، ويكون الابتلاء بوطأة المشركين تمحيصا للصفوة من المؤمنين، وتمزيقا لغشاوة الغفلة عن بصيرة قريش، بما تشهد من هذا الاستبسال الصامد الذي لا يمكن إلا أن يكون عن إيمان بحق.
وتتابعت آيات القرآن تقصر مهمة الرسول على البلاغ: يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.
وأسلم من أسلم، بمحض إرادته واختياره، دون تورط أو إكراه أو مسايرة.
وما كان بعيدا في منطق الحياة أن تغلب القلة المؤمنة كثرة كافرة،