مع المصطفى - الدكتورة بنت الشاطئ - الصفحة ١٩٨
وإن لم يكن له صلى الله عليه وسلم دار هناك.
وبدا الموقف صعبا:
كلما مر عليه الصلاة والسلام بحي من أحياء الأنصار بادر إليه الرجال يسألونه شرف النزول فيهم، وهو عليه الصلاة والسلام يتحرج من إيثار حي على آخر أو دار على دار، فيقول معتذرا شاكرا:
(خلوا سبيل ناقتي).
حتى إذا مر بحي بني عدي بن النجار، توقعوا أن يكون لهم من خئولتهم لأبيه عبد الله بن عبد المطلب، حق الحظوة بالشرف الذي رنت إليه كل بيوت الأنصار.
هتفوا: (يا رسول الله، هلم إلى أخوالك، إلى العدد والعدة والمنعة).
وتلبث عليه الصلاة والسلام برهة يملا عينيه من هذا الحي، ويسترجع ذكريات رحلته الأولى إلى يثرب، حين جاءت به أمه (آمنة بنت وهب) من مكة وهو في السادسة من عمره، لتزيره قبر أبيه الثاوي هناك.
وتخطى بصره الجموع الزاخرة التي حفت بركابه، وتعلق بطيف أمه، ماثلا شاخصا لا يغيب.
ومع الذكريات، طوى سبعة وأربعين عاما من عمره، ليجد نفسه غلاما غض الصبا، يعود مع أمه في رحلة الإياب إلى أم القرى، ومعهما (بركة أم أيمن) فما قطعوا بعض مراحل الطريق حتى وعكت أمه، ثم أسلمت الروح بين يديه في بقعة موحشة من الفلاة، بين يثرب ومكة.
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»
الفهرست