نشأة التشيع والشيعة - السيد محمد باقر الصدر - الصفحة ٥٧
على رغم شدة إخلاصهم، وعمق ولائهم، لان الاسلام ليس نظرية بشرية لكي يتحدد فكريا من خلال الممارسة والطبيق (86)، وتتبلور مفاهيمه عبر التجربة المخلصة، وإنما هو رسالة الله التي حددت فيها الاحكام والمفاهيم وزودت ربانيا بكل التشريعات العامة التي تتطلبها التجربة (87)، فلا بد لزعامة هذه التجربة من استيعاب الرسالة بحدودها وتفاصيلها، ومن وعي بكل أحكامها ومفاهيمها (88) * وإلا اضطراب إلى استلهام مسبقاتها الذهنية ومرتكزاتها القبلة وأدى ذلك إلى نكسة في مسيرة التجربة، وبخاصة إذا لاحظنا أن الاسلام كان هو الرسالة الخاتمة من رسالات السماء التي يجب أن تمتد مع الزمن، وتتعدى كل الحدود الوقتية والإقليمية والقومية (89)، الامر الذي لا يسمع بأن تمارس زعامته التي تشكل الأساس لك ذلك الامتداد، تجارب الخطأ والصواب، التي تتراكم فيها الأخطاء عبر فترة من الزمن حتى تشكل ثغرة تهدد، التجربة بالسقوط والانهيار (90).

(86) من المقولات الشائعة في أوساط أصحاب النظريات وعند المفكرين: أن النظرية تغتني بالتطبيق ولذلك ينبه الشهيد الصدر على أن الاسلام ليس من هذا القبيل.
(87) لاحظ قوله تعالى: (... ما فرطنا في الكتاب من شئ...) الانعام / 38 وقال تعالى:
(... ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ...) النحل / 89 وقال تعالى: (... وما آتاكم الرسول فحدوه وما نهاكم عنه فانتهوا...) الحشر / 7.
(88) راجع الدراسة التي ألحقت بالبحث في الاخر.
(89) قال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس...) سبا / 28 وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء / 107.
(90) لقد أراد نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) تجنيب أمته مرارة ومعاناة تجربة الخطأ والصواب وما يمكن أن تجره على الأمة المسلمة من ويلات وآلام وتيه فقال: " هلموا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي أبدا...) ولكن الرزية كل الرزية - على حد تعبير ابن عباس أن منع رسول الله من ذلك.
راجع القصة في صحيح البخاري / ج 8 ص 161 باب الاعتصام.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 63 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة